سأكتب للدكتور محمد أبو ريشه،ذاك الشهيد النبيل , الذي سقط غدرا , وترك خلفه الدمع والأسئلة ...ولوعة الناس , وقلق زملاء في المهنة أحبوه جدا...
لست أدري أيها الطبيب النبيل , من نلوم وعلى من نعتب ؟ ..هل نلوم القوانين التي تساهلت في حقك , هل نلوم إجراءات ..بيروقراطية متعبة , هل نلوم مجتمعا صار شرسا بكل ما تحمل الكلمة من معنى ؟ ...هل نلوم أنفسنا لأننا صمتنا وأرهقتنا معارضة الحكومات وما يسمى بالشأن العام ؟
أنا أدرك أن الموت لا مهرب منه , أدرك جيدا أنه قد ياتي عبر حادث , عبر مرض ولكن أن تتلقى طعنة غادرة أمام منزلك ...وبكل هذه الوحشية والتجرد من الإنسانية فذلك أمر يستحق أن نتوقف عنده مطولا , ذاك أن الجريمة قد تداهمك في مكان عملك في الشارع , في المقهى ... ولكن على باب المنزل فتلك قصة , تحتاج منا أن نفكر كثيرا .
أيها الشهيد المظلوم ...أكتب لك هذا الصباح , وأنا اسرق الكلام من قلبي سرقة وفي كل حرف أرميه على الورق , ينتابني معه شعور متعب مؤلم , وأتذكر بناتك اللواتي كن يغمرن حياتك بالحب والورد , والشارع الذي كنت تعبره ...والجيران الذين يأتونك في غفلة من الليل , ينشدونك أن تدلهم على دواء لأن طفلا لديهم تعب أو أرهقته الحرارة , والكتب المنثورة في منزلك عن اخر ما توصل له العلم في جراحة الأطفال , والسماعة الحساسة التي تصطحبها معك ...والعشيرة التي تلمك في عيونها وتمنحك كل الود والتقدير ...والناس التي رافقتك في مسيرة العمر ولم تلمح في عيونك غير التحدي وحب الحياة , ومساعدة الخلق .
وأغضب , لأن حياتك ..راحت عبر جريمة بشعة دنيئة بكل ما فيها من تفاصيل ...
أيها الشهيد المظلوم ...
هذا زمن يجب أن نعيد فيه مراجعة الذات , ومراجعة القوانين التي تحمي الأطباء وتحصين مجتمع بات فيه للزعران مكانا , وكلمة ....لم يخطر ببال أحد يوما ان يصل الأمر , إلى ان يقتل الإنسان في بيته , وما دام أن البيوت أصبحت غير امنة فما الذي نقوله عن الشوارع , وأماكن العمل .
أيها الشهيد ..والفقيد , والطبيب , والعزيز , والنبيل....
سيخضر تراب قبرك , وسيبلل الندى كل صباح عظامك الطاهرة , والعصافير ستمر من فوقك , وتغرد ...وسيأتي أهلك واصدقاؤك لقراءة ما تيسر من كتاب الله كل يوم على روحك الطاهرة ....واسمك لن يكون عابرا هو صرخة , في وجه الدولة والمجتمع ...فالقصاص من قاتلك , ليس حق لأهلك فقط هو حق لنا جميعا للأطباء ,للعشيرة ...وللمجتمع كله ...
وذات يوم , ربما سيأتي أحدهم ويهمس من فوق تراب القبر , ويخبرك أن الأردن ما زال بخير ...أن الأردن ما زال بخير .
الرأي