قبل عدة سنوات، كنت في زيارة للصين برفقة وفد برلماني برئاسة طيب الذكر عبدالهادي المجالي، صادف موعد الزيارة آنذاك، فترة إجازة الرئيس الصيني زيمن حيث كان يرتاح في منتجع خاص بالرؤساء على بعد حوالى مائة كيلو متر من العاصمة بكين، وبرغم إجازته التي لا يستقبل أحدا خلالها كما عرفنا من مرافقينا، إلا أنه اراد إستقبال الوفد الاردني خلافا للبروتوكول المعتاد في تلك البلاد.
إستغرق اللقاء أكثر من ساعة تخللها إطراء رئاسي على الاردن، وحديث متشعب في شؤون الشرق الاوسط والعلاقات الاردنية الصينية، كان زيمن مسرورا باللقاء، ولذلك فقد أخذ معظم الحديث، وتوقف طويلا عند الحديث عن العقائد والديانات، ومن ذلك قوله، أنا لا دين لي، لكنني أقرأ القرآن كموسوعة علمية مفيدة.
مناسبة عرض هذه الامر، هو التأكيد على إقرار زعيم أكبر تجمع عالمي بشري للشيوعية، بأن القرآن الكريم موسوعة علمية مفيدة، فنحن مثلا نقرأ القرآن كعبادة دون أن يتدبر معظمنا معاني وعظمة ما نقرأ، ودون أن نتوقف طويلا أمام الأسرار العظيمة التي يتوافر عليها، لا بل فإن الكثيرين منا يمرون عليها مرور الكرام إن جاز التعبير، وما درى الناس أن كل حرف في هذا الكتاب، ينطوي على معنى لا يطاوله في هذا الوجود معنى آخر، فهو كلام الله جل جلاله، وهو دستور حياة للبشر كافة بإرادة الخالق سبحانه وتعالى.
القرآن الكريم كلام حي، له سياقاته ومناسباته، وهو اعظم واكبر من ان يحد معانيه زمان او مكان بعينه دون سواه، ولهذا، فإن العلم الذي لم يكتشف حتى الآن سوى النزر القليل من أسرار الخليقة وتجلياتها، يتحفنا تباعا بإكتشافات جديدة تناولها القرآن قبل أكثر من اربعة عشر قرنا، وكان بعضها سبيلا لعلماء وباحثين لأعتناق الاسلام.
والقرآن الكريم معاني أكثر منه كلمات وعبارات، وأدق سر في قراءته، هو انه يقرأ منذ مئات السنين ولا تمل قراءته، فالمألوف في حياتنا كبشر، أن الانسان يمل قراءة أي كتاب او قصيدة إذا ما تكرر ذلك لعدة مرات، أما القرآن، فلا يمكن للنفس البشرية ان تمل قراءته مهما تعددت المرات، لا بل فكلما زاد الانسان في قراءته وحفظ بعض آياته كلما تعلق به أكثر فأكثر، ولو جرب القارئ التأني والتدبر في قراءته، لوجد في ذلك متعة ليس كمثلها متعة.
وإذا ما كان غير المسلم، وحتى غير المعتنق لدين، يجد متعة في قراءة القرآن أو الاستماع لترتيله، فإن ذلك أعظم دليل على ان هذا القرآن لا يمكن ان يكون من وضع بشر كما يدعي البعض، وإنما هو كلام خالق البشر،، ومن فتح الله عليه وعزز علاقته بالقرآن، فأن له أن يفرح بمودة ربانية ليس كمثلها موده، أما من لم يكتب له ذلك حتى الآن، فليحاول أن يقرا القرآن بروية وتدبر وتفكير في المعاني والسياقات، وليكرر ذلك مرات ومرات، ليجد نفسه وقد تعلقت بهذا الكتاب الجامع الهادي الى الفلاح في الدنيا والأخره، وإذا ما كان زيمن غير المؤمن بوجود الله يقرأ القرآن كموسوعة علميه، فأن من باب أولى، ان نقرأه نحن المؤمنين أو ان نقرأ منه كل يوم ما إستطعنا، تهذيبا للنفوس وتطويعا وراحة لها، لا بل وتساميا فوق صغائر الامور التي ينشغل بها الناس في هذا الزمان وبلا حدود او حتى قيود. قراءة القرآن تنزيه للنفس الامارة بالسوء عن كل سوء، وفيها متعة حياة وآخرة بإذن الله، وفيها تكفير عن ذنوب إقترفناها ومعاصي فعلناها عن جهل وغفلة وسوء تقدير، ولا أحد منا بمعزل عنها، والله من وراء القصد.