facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العثماني المنتصر ينقل الخلافة الرمزية إلى إسطنبول


10-05-2015 01:45 AM

عمون - اسامة الغزولي - في الفصل الأخير من تاريخ السلطنة المملوكية، لم يكن أمير المؤمنين المتوكل على الله ابن المستمسك بالله، سوى موظف من كبار موظفي السلطان الغوري، شأنه في ذلك شأن من سبقه من الخلفاء الرمزيين في مصر المملوكية، من أول ظهورهم في عهد الملك الظاهر بيبرس حتى أبيه الخليفة المستمسك بالله. ويقول الزركلي في الأعلام: «محمد المتوكل على الله بن يعقوب المستمسك بالله (...): آخر خلفاء الدولة العباسية الثانية في مصر. نزل له أبوه عن أعمال الخلافة». وإذا كان نزول خليفة عن الخلافة لولده في حياة الوالد أمراً غير مسبوق، فقد يكون أيضاً علامة من علامات تهافت مؤسسة الخلافة وهوان أمرها، قبل انتقالها على نحو غامض وملتبس من القاهرة إلى إسطنبول.

صحيح أن المؤرخين لذلك العهد يذكرون اسم المتوكل على الله العباسي (الثالث) قبل اسم السلطان، باعتباره «خليفة الوقت»، لكننا نرى السلطان، الذي يقول عنه نجم الدين الغزي في «الكواكب السائرة» إنه «لما تسلطن أخذ يتتبع رؤوس الأمراء وذوي الشوكة، فيقتلهم شيئاً شيئاً، ثم فشا ظلمه ومصادرته للناس في أموالهم، حتى صار شيخ الإسلام زكريا يُعرّض بظلمه في الخطبة، وهو تحت المنبر يسمع ولم يتعظ». نرى هذا السلطان الجائر يصدر أمراً من أوامره إلى الخليفة، الذي طلع إليه في القلعة مع ظهور هلال الشهر الجديد، وإلى القضاة الأربعة الذين صحبوه، ونرى الخليفة والقضاة وهم يردون على الأمر –وإن كرهوه- بقولهم للسلطان: «الرسم رسمك»، أي: الأمر أمرك.

يشير ابن إياس إلى «تكدر» المتوكل الثالث من الأمر السلطاني، وكان أمر بالاستعداد للسفر مع قنصوه وجنوده إلى حلب لهدف غير محدد، أهو لحرب مع ابن عثمان سليم الأول، أم لوساطة بينه وبين خصمه الصفوي (الصوفي، عند ابن إياس ومؤرخين غيره). لكنه لا يشير إلى سبب الانزعاج وإن كانت سردية الغزو العثماني لمصر المملوكية، في كل ما وصل إلينا من صورها، وبينها الصورة التي رسمها ابن زنبل أحمد الرمال، الذي هو أقرب إلى روح الإنسان العادي في عصره، حتى من ابن إياس نفسه، هذه السردية تساعدنا على فهم السر في «تكدر» الخليفة، بما يؤكد عليه كل رواتها من أن شبح الهزيمة المحتومة كان يلوح في الأفق، لأسباب منها فساد الأمراء الجراكسة وتفرق كلمتهم، وما لا بد أن أخباره وصلت القاهرة من تفوق عسكري عثماني.

وبإشارة ابن إياس إلى «تكدر» الخليفة من الأمر الصادر له بالمشاركة في المشروع الكارثي للسلطان الغوري، فإنه يبتعد بالخليفة، هوناً ما، عن شبهة المشاركة في مراوغات الغوري التي انتهت بهزيمته وبانتهاء دولة الجراكسة (الذين ينتمي إليهم ابن إياس). لكن «تكدر» الخليفة لا يمنعه من إظهار الموافقة ولا من المسارعة إلى أداء وظيفته، فنراه في موكب السلطان المرتحل إلى الشام، يتبع نائب دمشق سيباي ونائب حلب خاير بك (أسماه العامة، لبعض الوقت بعد افتضاح أمره، خاين بك) ويسبق السلطان بعشرين خطوة.

بالانزعاج من قرار الخروج وبإخفاء الانزعاج بمسارعة إلى الانصياع لأمر سلطان جائر، يحلق فوق رأسه شبح هزيمة محتومة، تتأكد طبيعة الخلافة الرمزية، بما هي فتيش fetish، وترتسم الأرضية التي تقوم عليها الإسلاموية بما هي فتيشية خالصة تنزل بالرموز والطقوس والممارسات والمؤسسات الدينية، من مستواها الديني إلى مستوى سحري. وإذا صح ما قاله السير جيمس فريزر، في بواكير الأنثروبولوجيا التطورية، من أن السحر مرحلة مبكرة، يأتي الدين ليخرجها من حياة الجماعة البشرية، فالإسلاموية، وهي تنزل إلى المستوى السحري، تعود بنا على نحو ما، إلى ما قبل الديانة التوحيدية الأولى، إلى ما قبل اللحظة التي هتف فيها السحرة قائلين: «آمنا برب موسى وهارون».

في السحر يقول فريزر، ومن بعده إدوارد تايلور وآخرون، يكون التعويل على القدرة على التأثير في قوى متجاوزة للطبيعة، بأفعال تُفعل أو بصور تُرفع لتُحدث أثراً ما: لتنزل المطر بعد جفاف، لتحقِّق النصر للضعيف على القوي، أو لغير ذلك. أما في الدين، فالتعويل هو على نقاء السريرة وصدق الاعتقاد، بما يؤهل المؤمن لبركات تتنزل عليه من السماء، ولا يمكن حسابها مقدماً، لأن إرادة الله تتعالى على كل إرادة. وهكذا، فالخلافة الرمزية التي لا علاقة لها بكل ما عرف عن وظائف الخلافة، من زمن بلغت فيه قوتها السياسية والعسكرية والثقافية ذروتها (مع الراشدين الأربعة) إلى أدنى مستوى نزلت إليه، مع المستعصم العباسي، ليست سوى صورة مطلوبة لإحداث تأثير ما، سواء جاء من الناس أم من قوى وراء الطبيعة. وهذا يوضح لنا السبب في أن السير هنري موير في كتابه «المماليك أو سلالة العبيد في مصر» (1896) يعتبرها «اللاخلافة»، أو «الخلافة الزائفة» anticaliphate ما يتيح لنا أن نشتق من ألفاظه «الخليفة الدجال»، باعتباره أول حجر في صرح الإسلاموية.


وبهذا الفهم نرصد السلطان الجائر (وفقا لأحكام سردية الغزو العثماني لمصر بكل صورها) قنصوه الغوري، في ساح الوغى، فنراه وهو ماض للقاء ابن عثمان، لا يتقرب إلى الله بعمل طيب: بسعي للتوفيق بين طائفتين من المؤمنين تقتتلان، أو بإعداد جنده إعداداً يحمي أرواح الناس وكراماتهم وممتلكاتهم من طغيان قوة جبارة هي القوة العثمانية. بل نراه وعلى ميمنته الخليفة الرمزي، فوق رأسه «السنجق الخليفتي» (راية الخليفة) وحول السلطان «أربعون مصحفاً في أكياس حرير أصفر على رؤوس جماعة أشراف، وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه». ويتحلق حول السلطان، المقصود بهذه المنظومة من أدوات الحماية الفتيشية، التي ما حاز الخليفة الرمزي منصب الخلافة إلا ليكون أهم مكوناتها باعتباره قلبها الحي «جماعة من الفقراء» (المتصوفة) وهم خليفة سيدي أحمد البدوي، والسادة الأشراف القادرية، وخليفة سيدي أحمد الرفاعي، والشيخ عفيف الدين خادم السيدة نفيسة، ومعهم راياتهم.

يسحق العثمانيون عسكر السلطنة المملوكية. وتلخص عفاف لطفي السيد – مارسو (تأريخ لمصر1985) أسباب الانتصار العثماني في أمرين: التفوق التقني (نفهم ذلك على أنه تفوق في المدفعية والتشكيلات المرنة) وشائعة موت الغوري (نفهم ذلك باعتباره حرباً إعلامية). ويضيف معاصرو ذلك التحول، مثل ابن إياس والرمَّال وغيرهما، إلى كل ذلك انقسام الجيش المملوكي، بسبب تفضيل الغوري بعضهم على بعض، حتى في الميدان، إلى فريقين سياسيين، فيحق عليهم القول وتتبدد الأنساق الفتيشية المحيطة بالغوري، ثم تتشرذم قواته المقاتلة تحت وطأة الهزيمة النهائية، لتعود مكوناتها إلى الظهور في ترتيب جديد ووفق قانون جديد حول ابن عثمان المنتصر.

ولأن الخلافة الرمزية هي مجرد أيقونة علقها المماليك على جدار سلطنتهم، فهي تنتقل إلى يد المنتصر العثماني مع غيرها من الأسلاب. ويساق المتوكل على الله إلى إسطنبول بين من يساق إليها من الرعايا، كباراً وصغاراً، ضمن تبادل للسكان حرص عليه العثمانيون في كل بلد فتحوه، ومع الأسلاب والغنائم المحمولة إلى العاصمة الإمبراطورية. وهناك يكرم ابن عثمان وفادته، ثم سرعان ما ينحط قدر الخليفة عنده، ربما بسبب وشاية من ابني عم الخليفة، الذي يجري إبعاده إلى حصن تفصله عن إسطنبول مسيرة ثمانية أيام.

يبقى القليل الذي نعرفه عما جرى بين ابن عثمان والخليفة، حكايا غير مؤكدة، وإن كان السير هنري موير يقول إن ابن إياس لم يشر إلى عودة الخليفة، وهو الذي رصد عودة كثرة من المصريين من إسطنبول، ما يعني –وفق السير هنري موير– أن عودة الخليفة ربما كانت بعد العام 1522، الذي ينتهي إليه تاريخ ابن إياس. لكن الشائع، وهو ما يذكره السير هنري، أن الخليفة بعد أن تنازل عن الخلافة للعثمانيين أُذن له عقب وفاة سليم الأول بالعودة إلى القاهرة حيث عاش على راتب يومي مقداره ستون درهماً. ويلخص عبدالرحمن الجبرتي في «عجائب الآثار» ما جرى بقوله عن سليم خان: «ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة».


* كاتب مصري

الحياة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :