كليلة ودمنة بطبعة عصرنا !
خيري منصور
05-05-2015 05:19 AM
يتداول الناس هذه الأيام فيديوهات، الهدف منها تبرئة الحيوان وإدانة وتجريم البشر، منها أسدان يشتبكان ويدمي كل منهما الآخر دفاعا عن غزال رضيع، أو نمر يحنو على قرد وليد ويحتضنه ويداعبه ولا يؤذيه، ومنها قط يضغط على صدر قط آخر كي يعيد الى قلبه النبض، اضافة الى قطين يحاولان سحب قط ثالث سحقته سيارة كي لا تمشي فوق اشلائه العجلات . فما الحكاية وهل هي كليلة ودمنة جديدة يضطر من يرويها الى استنطاق الحيوان كي ينجو من تأويل عسس الاستبداد؟
لم يحدث من قبل ان اعيد الى الحيوان الاعتبار بل الاعتذار اليه عن كل ما علق به من اوصاف كالتوحش والعنف والسادية، فالحيوان الأعجم -الآن- ارحم من الإنسان الثرثار؛ وكأن المعادلة قلبت رأسا على عقب، فنحن -الآن- لا نأخذ الحكمة من افواه الفلاسفة او حتى المجانين؛ ما دام الحيوان قد تطوع بها ليذكّرنا بأننا كبشر نحن الاجدر والاولى بكل الصفات التي اطلقت عليه، فالحيوان لا يقتل الا جوعا او خوفا ودفاعا عن النفس بينما يمارس الإنسان كل هذه الجرائم لأنه سادي وعاشق كأسماك القرش لرائحة الدم التي تُسيل لعابه.
الانسان يقتل وهو يعاني من التخمة ويتجشأ، ويذبح وهو آمن في جحره لمجرد ان مشهد السكين يذكره على الفور برقبة اخيه.
ان تداول هذه الفيديوهات وعلى نطاق واسع اشبه بانقلاب كوني يعيد تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية، فما كان للبقر ان يجنّ لولا العدوى من جنون البشر، وما كان للدجاح المسكين -الذي يسطو الإنسان على لحمه وبيضه- أنْ ينتقم لولا انَّ ما يقترفه البشر من جرائم يجعل القشعريرة تسري في الحجر.
ان هذه الألفية الثالثة التي دخلنا اليها مدججين بكل هذه الكراهية ونوازع الانتقام لن تكون من حصة تاريخنا البشري، إنها ألفية الحيوان الذي نطق بعد صمت دام ملايين السنين، فقرر أنْ يشهد، تصوروا لو انَّ خاروفا شاهد رجالا ملثمين يذبحون رجالا آخرين ويلقونهم في الماء بلا رؤوس، هل يثغو ام يقول بأنه الأولى بالنطق من هذه الكائنات التي يجري السم لا الدم في عروقها؟ الدستور