في اردننا اليوم تكثر ظاهرة ما يسمى بالشيوخ وهما اما شيوخ دين او شيوخ عشائر وأصبح هذا اللقب يطلق على من هب ودبَّ حتى صار عدد الشيوخ بعدد الشعب الأردني مع اننا لا نستطيع ان ننكر بأن هنالك شيوخ عشائر ودين على امتداد ساحة هذة الوطن لهم بصمة واضحة فى خدمة الشعب الاردنى ولهم اياد بيضاء فى حل الكثير من المشاكل، لكننا نشاهد ظواهر مرضية على ساحتنا الاردنية ففي كل يوم يطل علينا رجل أطر اسمه بهذا اللقب دون أن يعرف ما المقصود به، وقد تفشت هذه الظاهرة حتى لُقبَ به الكثير ممن لا يجيد القراءة والكتابة وحتى صفة الزعامة، والصحيح أنها لا تطلق إلا على من يستحقها، إما لكبر عمره، أو لشرفه وسيادته في قومه، أو لعلمه.
فكلمة الشيخ لا تعني في القرآن الكريم العالم أو الفقيه في الدين، أو سيد القبيلة أو العشيرة، أو أنها بضاعة تشترى من قبل من يدفع ثمنها، إنما تعني الرجل الكبير في السن.
ولقد وردت كلمة شيخ في القرآن الكريم في أكثر من موضع مثل قوله سبحانه وتعالى:
"قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" يوسف:78.
كذلك قوله تعالى: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) القصص:23،
وأخيرا قوله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) غافر:67.
فلفظ ولقب الشيخ وفقاً لما ورد في القرآن الكريم لا يكون إلا للكبير في السن، ويطلق على أي رجل كبير في السن سواء كان مسلما أو غير مسلم، عالما أو جاهلا كونها مرحلة عمرية يمر بها الناس كافة.
وتعني كلمة (شيخ) في اللغة العربية كل ُّمن استبانتْ فيه السن وظهر عليه الشيبُ، وقيل هو شَيْخٌ من خمسين إِلى آخره، وقيل هو من إِحدى وخمسين إِلى آخر عمره، وقيل هو من الخمسين إِلى الثمانين. والجمع شيوخ وأَشياخ ومَشايِخُ.
ومع ذلك يجوز إطلاق كلمة (شيخ) لغةً وعُرفا على مَن يكثر علمه، ويشتهر بالمعرفة بين الناس؛ لأن هذا المعنى له علاقة بالمعنى السابق؛ إذ المشيخة -التي هي كبر السن وتقدمه -يفترض أن تكون سببا في زيادة العلم ودقة المعرفة، والخبرة والتجربة، ولهذا أطلقوا على من حاز المعرفة وصف (الشيخ)، كما يقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات في غريب القرآن (ص/469): " يقال لمن طعن في السن:(الشيخ)، وقد يُعبّر به فيما بيننا عمن يكثر علمه، لمَّا كان مِن شأن (الشيخ) أن يكثر تجاربه ومعارفه “. وعلى هذا الأساس لقب العالم بأمور الدين بالشيخ توقيرا له مثلما يوقر الشيخ الكبير. كما لقب به سيد القبيلة والعشيرة ورئيسها لمكانته فيها. فهو إذن لقب لصاحبه لعلمه أو لمكانته، ولا ينتقل بالوارثة كما جرى العرف عليه حيث يلقب ابن الشيخ بالشيخ. ولا يوهب من أحد كما هو الحال عندما يمنح الحاكم هذا اللقب لمن يريد كسب وده.
ما نراه اليوم في اردننا العزيز أن ظاهرة (الشيخة والشيوخ) صار لقبا لكل من هبَّ ودبَّ، فصار لبعض الجهلة ومن ليس له صنعة او مهنة او لخريجي السجون ومن عليهم قضايا جنائية وغدا كنية لمن يظن أنها تزيده وقارا واحتراما بين الناس دون أن يعرف معناها الحقيقي وهو الكبر في العمر.
كذلك صار لقبا يطلق على كل من يتحصل على شهادة اكاديمية في العلوم الإسلامية والشرعية، وحتى لخريجي الابتدائية ممن يتولون شؤون الإمامة والخطابة والإرشاد في الجوامع والمساجد. وهذا غير صحيح فلا يليق تلقيب مبتدئٍ في العلوم الشرعية أو شابٍّ حديث السِّنِّ (بالشيخ) حتى لو امتلك بعض العلوم الشرعية، لأن المناهج الدراسية المتَّبعة قصيرة المدة ولا تفي بالهدف ولا تغطي المطلوب.
أما بخصوص العشيرة فتجد في الفخذ الواحد ما بين العشرة الى العشرين شيخا وفى بعض الأحيان تجد في العائلة الواحدة أكثر من شيخ ويمكن ان يكونوا اخوة او أبناء عمومة والسؤال المطروح في هذا السياق هل مرض الشيخة استشرى في مجتمعنا الأردني وأصبح المصابون به كثر؟ وإذا كان، فلا بد من رجل واحد يرأس العشيرة ويكون هو المرجع الأول والأخير فيها مخولا من قبل أفرادها وأبنائها من اجل الوحدة ولم الشمل، ولا بد أن يكون من ذوي الاخلاق العالية والحسنة، وأن يكون محنكا، كريما، شهما، شجاعا مقداما، حليما، متواضعا، فصيحا، لبيبا، طلق اللسان قوي الحجة ذا عقل راجح، وفكر مستنير، صاحب نظر بعيد ويفكر في العواقب، ويحسب لها ألف حساب حتى يستطيع دفع الظلم والحيف الذي يواجه عشيرته، وهذا الرجل يمكن ان يطلق علية الشيخ. وليسأل بعض من هم مستشيخون أنفسهم هل تنطبق عليهم المواصفات المذكورة أعلاه.
إن المشيخة لا تعني أن يتولاها جاهل أو قاصر غير مدرك لعواقب الأمور لمجرد أنه أطلق على نفسه صفة الشيخ ولم يطلقه علية أبناء عشيرته ليملأ الفراغ ويسد الشاغر. كما لا تعني أنها صفة يجب أن يحملها جميع افراد العائلة، فهي لقب يكون لمن نال ثقة القبيلة او العشيرة في حياته، وهي ليست ملكا مشاعا لأصول الشيخ وفروعه وحواشيه فيلقبون أنفسهم بالشيوخ لمجرد القرابة والنسب. كما أنها ليست ميراثاً يقسّمُ وفق القسم الشرعي.
ولقب الشيخ ليس هبة. كما أنها ليست عقارا يشترى ويسجل في دوائر التسجيل العقاري. وهو ليس منصبا يُستملك بالمال الذي صار اليوم في متناول الكثير، وصارت طرق الحصول عليه كثيرة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة. وليست المشيخة مجرد سيارة او قصر ومضيف وعباءة وكوفية وعقال، فالشيخ كما هو معروف من (تشيخه) عشيرته.
ففي بلدنا الأردن اليوم صرنا نَبيت ليلنا على شيخ فنصبح على شيخين، فضلا عن ظهور مسميات جديدة منها (شيخ مشايخ) و(شيخ عشائر) وغيرها من الأسماء والاوصاف الكرتونية فنحن العرب نعشق الألقاب وما القذافي عنا ببعيد، وما هذه الألقاب والاوصاف إلا للفخفخة والفشخة والتبجيل، وصار من يطلقها على نفسه يطالبنا بأن نطلقها علية حتى لو كان موظفا أو مسؤولا إداريا أو أستاذا جامعيا ويستشيط غضبا حين لا نناديه بها.
ان اردننا ليس بحاجة الى أصحاب القاب كالشيوخ والباشوات وأصحاب المعالى بل نريد رجال وطن،اردنيين يحبون الأردن قبل حبهم لأنفسهم نريدهم رعية صالحة لا شيوخا ولا باشوات، فقد تعبنا منهم ومن القابهم فكير منهم أصبحوا عالة على بلدهم بدل ان يكونوا عونا له فأردنيتهم ووطنيتهم تكون بقدر ما يكسبوه من وطنهم لا بقدر تضحياتهم له، ونريدهم جنودا في الميدان، لا وجوها في المجالس والفضائيات يقولون ما لا يفعلون، نريد منهم أن يكونوا منا ولنا ومعنا لا علينا ومثلنا محبين للأردن والاردنيين.