لا تتوقف الحكومة ومن خلال وزير المياه والري الدكتور حازم الناصر، عن التحذير من خطورة الوضع المائي في المملكة، وهو تحذير على درجة عالية جدا من الاهمية والخطورة التي تستوجب التوقف طويلا أمام ما يشبه الكارثة حاليا، لا بل والكارثة بعينها مستقبلا، ان استمرت الاوضاع على ما هي عليه، ليجد الاردنيون أنفسهم أمام الكارثة وجها لوجه، في لحظة فارقة قد لا تتوافر فيها مياه الشرب، ناهيك عن ماء الزراعة والصناعة وسوى ذلك.
ابتداء يشكر الوزير الذي يتخذ موقفا وطنيا بإمتياز ، عندما يضع الجميع مواطنين ومسؤولين أمام الواقع كما هو، مرة بحكم كونه الوزير المختص ، ومرة بحكم كونه مواطنا مسؤولا ، ولقد سبق وأستمعت في إجتماع رسمي إلى ذات التحذير من ذات الوزير ، وظننت أنه يقول ذلك داخل الغرف المغلقة فقط ، لكنني وكل ألاردنيين نتابع بإهتمام كبير تحذيراته المستمرة التي تنشر تباعا إبراء للذمة من فاجعة قد تداهمنا فجأة ، فالرجل يحاول وعبر مجلس الوزراء ، تطبيق القانون وضبط التوزيع وترشيده ، لكن الامر الجلي هو أن المعضلة أكبر بكثير من ان تعالج ، في بلد يستوعب ملايين الناس من اللاجئين الذين يستنزفون مياهه في جانب ، وتلوث مخيماتهم المؤقتة احواضه المائية الجوفية في جانب أخر .كارثة المياه في الاردن ليست بالامر الجديد ، فهي مزمنة جعلت بلدنا ثاني او ثالث أفقر بلد في العالم في مجال المياه ، بمعنى أن المرض موجود منذ زمن ، إلا ان موجات اللجوء الجديدة كشفت الداء وبدأت أعراضه تظهر للعيان، فالذين خططوا سابقا إهتموا بكل شئ تقريبا ، وغاب عنهم ما هو أهم وهو الماء، في زمن كان يمكن فيه إقامة عشرات السدود الكبيرة ومئات السدود والحفائر الصغيرة عند كل واد وفي عمق البادية ، لتخزين ماء المطر الذي تقول الارقام ، أن الله جلت قدرته ، يجود علينا كل عام في المعدل، بحوالى ثمانية مليارات متر مكعب منه ، فيما لا تتجاوز الطاقة التخزينية للسدود القائمة ثلاثمائة متر مكعب.
لم يقف النسيان ولا نقول الاهمال عند هذا الحد ، لا بل تعدى ذلك الى إنشاء محطات تنقية على منبع أكثر من نهر ، ومنها نهر او سيل وادي شعيب مثلا ، الذي لم يعد صالحا حتى لغسل اليدين بمياهه لهذا السبب ، بعد أن كان مصدرا مهما للري على الاقل ، وإذا ما كانت الدولة قادرة على جر مياه الديسي ودير علا الى عمان ، فما الذي منعها من تصريف مياه محطات التنقية بواسطة الضخ الى مناطق أخرى بعيدا عن مجاري السيول ، لتروى بها زراعات حرجية في اراضي الدولة مثلا .
كتبنا كثيرا عن كارثة المياه منذ سنوات ، وتمنينا لو ان الدولة تخصص جهدها واموالها لثلاث سنوات متتاليات للمياه، لحفر السدود الصغيرة والحفائر في البادية بالجهود الذاتيه ، فلدى الوزارات المعدات والمهندسين والعمالة لأنجاز حملة وطنية في هذا المجال، بمعزل عن العطاءات الكبرى التي تنفذها شركات مقاولات عالمية كبرى وبكلف عالية جدا ، وليكن هادينا الى ذلك قوله تعالى ً وجعلنا من الماء كل شئ حي ً ، فالماء اساس الحياة حيثما توفر توفرت ، وحيثما تلاشى تلاشت.
نتمنى على دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، المبادرة قبل فوات الاوان، ليس الى تشكيل لجنة او عقد ندوة او مؤتمر ، وإنما الى الشروع في حملة وطنية كبرى يشارك فيها الجميع، الوزارات والشركات الوطنية والبنوك والاحزاب والنقابات والجامعات والمدارس وكل الناس في بلدنا، لاقامة السدود والحفائر منذ الآن وفي كل قرية وبادية ومدينه ، والتحذير مما هو قادم، ومعالجة وجود المخيمات فوق الاحواض المائية كما حال مخيم الزعتري ، وبناء ثقافة إجتماعية راشدة لاستخدام المياه، وقبل هذا وذاك، التوقف عن إستقبال أي لاجئ جديد تحت أي مبرر كان ، ليس لسبب سياسي ، وإنما فقط لأننا لن نجد ماء نشربه نحن ولا هم إذا ما إستمر الحال كما هو الآن ، والله من وراء القصد.