كثير من اللغط وقليل من الإنصاف
د.رحيل الغرايبة
03-05-2015 04:13 AM
عمون - طريقة تناول القضايا السياسية الساخنة، والأحداث الجارية على الساحة المحلية تأخذ أبعاداً مغلوطة بعيدة عن ملامسة الجوهر، وتحدث ضرراً بالغاً على المدى البعيد باللحمة الاجتماعية والإطار الوطني من خلال الحرص الشديد لدى بعض قصار النظر على تحصيل مكتسبات آنية وكسب الجولة على صعيد الرأي العام والتعاطف الشعبي المؤقت بأي ثمن.
ربما كان الوضع مثالياً على مسار مسألة التصويب القانوني لوضع جماعة الإخوان المسلمين فيما لو أن د.همام ومن معه بادروا إلى القيام بهذه الخطوة، واستجابوا لمقتضيات الظرف القائم، وقدروا نصيحة الناصحين بهذا الموضوع من داخل الحركة ومن خارجها، وفيما لو أحسنوا قراءة المشهد المحلي والإقليمي، مما سيجعل الخطوة مقبولة لدى كوادر الحركة، وسهلة على جميع الأطراف، وسوف تحسب أنها في غاية الحكمة والتعقل والذكاء السياسي، ولكن ذلك لم يتم بكل أسف.
وربما كانت الخطوة الوسيطة والمتوقعة بعد ذلك أن يعمد د. همام ومن معه إلى استدعاء إخوانهم ومحاورتهم، والقول لهم: هذه الجماعة لنا جميعاً، وهي لنا ولكم وللأجيال وللشعب الأردني كله؛ تعالوا نتشاور لنحمي هذه الجماعة، ونسهم في حل هذه المعضلة بأسهل الطرق وعبر حوار داخلي مؤسسي مسؤول، ولو كلفت القيادة نفسها وتواضعت قليلاً وحاولت البحث عن مصلحة الجماعة ومستقبلها، بدلاً من أن تعمد إلى أسلوب المقاصل والأحكام الميدانية بالجملة! دون إتصال هاتفي ومجرد الاستفسار؛ لكان ذلك ممكناً وسهلاً، ولكن ذلك لم يحدث للأسف أيضاً.
قيام مجموعة على عاتقهم بهذه الخطوة كان استجابة لضرورة واقعية هم يرونها رأي العين، وانطلاقاً من أن الجماعة ليست ملكاً لقائد أو زعيم، وليست ملكاً لفئة أو اتجاه أو رأي، فقد اجتهد القوم وقاموا على عاتقهم بتصويب الوضع القانوني لفكرة الجماعة ووجودها،عن طريق الاحتفاظ باسمها ونظامها الأساسي وغاياتها الأصيلة، بحيث أصبحت ذات مركز قانوني وتحظى بهوية وطنية ومشروعية قانونية لا غبار عليها ولا مطعن، من أجل حفظ الجماعة وتاريخها ومنجزاتها، والتأكيد على استقلاليتها ومنهجيتها المعروفة، وتوفير غطاء قانوني لكل المنتسبين إليها بلا استثناء، ولكل من يرغب بالعمل العلني الشرعي المكشوف تحت هذه اللافتة.
لم يهدف القائمون على هذه الخطوة إلى إنشاء كيان جديد أو جماعة جديدة كما يحاول بعضهم تصوير الأمر، ولم يهدفوا إلى إحداث شق أو شرخ في الجماعة، ولو قصدوا ذلك لما ذهبوا إلى قيادة الجماعة أولاً؛ وقدموا لها توصية مكتوبة بضرورة المسارعة إلى تصويب أوضاعهم القانونية، نتيجة ما توفر لديهم من معلومات وقراءة ورؤية، ولذلك صرحوا بوضوح بأن هذا الغطاء ملك للجماعة وليس ملكاً لهم، وهم سوف يتنازلون عن إدارة هذا الشأن خلال بضعة أشهر، وتسليم دفة الأمر إلى القيادة الجديدة المنتخبة.
بعض الكتاب المعروفين ذهب إلى تحذير الحكومة من التنبيه إلى مسألة خطيرة تتمثل بكون الجماعة تمثل مكوناً اجتماعياً معروفاً، مما يعني تفسير الخطوة بطريقة غير سليمة، وهذا الاستدعاء في غاية الخطورة والضرر، إذ أن الجماعة تمثل الفكرة الإسلامية قبل كل شيء وبعده، والعمل ضمن هذا الإطار بكل وضوح، ولا تمثل شريحة أو فئة أو جهة اجتماعية محددة، ولا تنحاز لأي طرف، فهذا أمر غير مقبول على الاطلاق في عرف الحركة وأدبياتها، وإذا وجد فهو غير صحيح ولا يمثل الإسلام، وقد حاول بعض قيادات الإسلاميين اللعب على هذا الوتر في عملية التهييج من أجل انجاح فعاليتهم، وقد حدثني صاحب شركة باصات في إحدى المخيمات عن أن أسماء بعينها جاءت تتحدث معه بهذا المنطق العصبي الأهوج؛ الذي ينمّ عن قصر نظر وسطحية سياسية مرفوضة.
بعض السياسيين يحذر من عواقب هذه الخطوة التي سوف تدفع شباب الحركة نحو التطرف، وهذا قول غير سديد، لأن الحركة تقاوم التطرف عن فهم أصيل وقناعة راسخة تحت كل الظروف من باب الفهم الإسلامي الصحيح أولاً، ومن باب المسؤولية الوطنية ثانياً، وليس من باب الاستثمار السياسي والمزاودة الانتهازية، كما أن الإسلاميين يملكون إطاراً سياسياً مرخصاً باسم «جبهة العمل الإسلامي»، وليسوا بحاجة أن يذهبوا تحت الأرض أو إلى مسارب ضيقة غير محمودة.
لا بد من الإشارة إلى أن معظم المتحدثين باسم الجماعة أشاروا إلى الحق القانوني والدستوري، وأشاروا إلى ضرورة الإلتزام بدولة القانون، مما يؤكد توافق جميع الأطراف على احترام القانون والالتزام به، وهذا يؤدي حتما إلى جعل مسألة الإنصياع له لا يشكل جريمة ولا ضعفاً ولا خيانة ولا عمالة، لأن ذلك يمثل مصلحة وطنية عامة للجماعة وللدولة وللشعب وللحكومة معاً، مما يحتم على المتحاورين أن يبتعدوا عن مصطلحات التخوين والتكفير والإخراج من الملّة، والاكتفاء بمناقشة صوابية الفكرة أو عدم صوابيتها من وجهة نظر اجتهادية أو سياسية محضة، وينبغي الكف عن أسلوب المزاودات الرخيصة والمرفوضة. الدستور