القانون المؤقت هل هو قانون فعلاً؟ أم عمل السلطة الإدارية؟
أ.د نفيس مدانات
30-04-2015 12:56 AM
تنص المادة (94) من الدستور الأردني على ما يلي " عندما يكون مجلس النواب مُنحلاً يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة لمواجهة الأمور الأتي بيانها :_
أ) الكوارث العامة
ب) حالة الحرب و الطوارئ
ج) الحاجة إلى نفقات ضرورية و مُستعجلة لا تحتمل التأجيل .
و يكون للقوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون .
أولاً " قانون له قوة القانون "
إن عبارة " قانون له قوة القانون " تدعونا للتساؤل : هل هناك قوانين لها قوة القانون و قوانين ليست لها قوة القانون ؟
إن القوانين جميعها تصدر مُتمتعة بقوة القانون ، و بالتالي هذا يعني بأن القانون المُؤقت هو في الأصل نص أدنى في المرتبة في القانون الشكلي البرلماني و أن الدستور قد منحه هذه القوة ، فهو إما مرسوماً أو لائحة أو نظاماً و مُنح قوة القانون ، لأنه في البلاد الديمقراطية البرلمانية لا تُطلق كلمة قانون إلا على عمل السلطة التشريعية . فما هو مضمون قوة القانون ؟ فهي تعني :
i _ إن هذا النص غير قابل للطعن به أمام القضاء الإداري .
ii _ أنه فقط قابل لعرضه على المحكمة الدستورية لمُراقبة توافقهُ مع الدستور .
iii _ و على جميع النصوص التي تصدر بناءً عليه أن تحترمه و أن لا تتجاوزه أو تُخالفه .
iV_ و على جميع السلطات في الدولة أن تخضع لأحكامه و كذلك الأفراد .
ثانياً : ما هو المقصود من منح القانون المُؤقت قوة القانون؟
إن المقصود من منح القانون المؤقت قوة القانون هو إخراجه من نطاق رقابة المشروعية ، و لم يبق إلا ما جاء بالمادة (94) من الدستور و تنص على أن لا يُخالف القانون المُؤقت أحكام الدستور ، و هنا يُطرح السؤال التالي نفسه وهو على فرض أن القانون المُؤقت قد خالف الدستور ؟ فما هو الحل ؟ و الجواب هو وجوب الطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية .
و الرّد على ذلك سهل ، و هو أن الفقرة الأولى من المادة (59) من الدستور لم تأتِ على ذكر القانون المُؤقت ، بل ذكرت القوانين البرلمانية و الأنظمة .
و قد يقول قائل بأن كلمة " قانون" في الفقرة الأولى من المادة (59) من الدستور جاءت عامة فهي تشمل القانون المُؤقت ، و الرّد على ذلك أيضاً سهل :
و هو أن الدستور قد ميّز صراحة بين القانون المؤقت و القانون الشكلي البرلماني من حيث الأصل و الإجراءات و الظروف .
i _ فالقانون البرلماني هو عمل السلطة التشريعية ، بينما القانون المُؤقت هو عمل السلطة الإدارية .
ii _ و القانون البرلماني لا يعرض ثانية على البرلمان ، بينما القانون المؤقت يجب عرضه على البرلمان .
iii_ و القانون المؤقت يُتخذ في الظروف الإستثنائية ، أما القانون البرلماني يُمكن إتخاذه في جميع الظروف .
و بالتالي نُلاحظ بأن القانون المؤقت غير خاضع لأية رقابة قضائية لا لرقابة المشروعية و لا للرقابة الدستورية ، فهو إذن خطر على الحقوق و الحريات العامة المصونة بالدستور .
و قد يُقال ألا يكفي أنه سيعرض على البرلمان في أول إجتماع يعقده ؟ و الجواب هو أن الرقابة البرلمانية هي رقابة سياسية و ليست رقابة قضائية .
و نتساءل هنا ما دام أنه قانوناً بقوة الدستور ، فلما يجب عرضه على البرلمان ؟
ثالثاً : هل نحن بحاجة لقانون مُؤقت له قوة القانون في دستورنا ؟
نحن لا نعتقد أننا بحاجة لأن ينص دستورنا على قانون مُؤقت له قوة القانون ، فنظرية الظروف الإستثنائية تفتح الباب على مصراعيه أمام السلطة الإدارية لإتخاذ من القرارات ما يسمح لها القيام بوظائفها الأساسية التي هي تسيير المرافق العام بإنتظام و صيانة النظام العام .
فنظرية الظروف الإستثنائية هي بناء إجتهادي صنعها مجلس الدولة الفرنسي ، و كانت تعتمدها محكمة العدل العليا سابقاً و أن القضاء الإداري اليوم سيعتمدها قطعاً ، و ترى هذه النظرية أن ما كان غير مشروعاً في الظروف العادية يصبح مشروعاً في الظروف الإستثنائية ، إذ أن الأساس القانوني لها هو موجود في الإلتزامات العامة للسلطة الإدارية بتسيير المرافق العامة وصيانة النظام العام عن طريق الضبط الإداري .
رابعاً : و من الأمثلة على نظرية الظروف الإستثنائية
أولاً : في إجتهاد مجلس الدولة الفرنسي
1_ القرار إرييه (Heyries) الصادر بتاريخ 28/6/1918 و قضيته كالتالي :
كان السيد إرييه (Heyries ) قد فُصِل من وظيفة رسام من الدرجة الثانية بالهندسة المدنية بقرار من السلطة الإدارية بتاريخ (22/10/1916 ) ، فطعن بقرار فصله أمام مجلس الدولة الفرنسي ( القاضي الإداري) قائلاً :
i _ إن قرار الفصل يتضمن تجاوزاً للسلطة حيث أن الإدارة لم تُمكنه من حق الدفاع المشروع حسب المادة (65) من قانون (22/4/1905) التي تنص على وجوب إطلاع الموظف على ملفه الشخصي قبل إجراء التتبعات الإدارية بحقه .
ii_ إن المرسوم الصادر بتاريخ (10/9/1914) الذي قد أوقف تطبيق القانون (22/4/1905) غير مشروع ، ( ذلك أن المرسوم أدنى في المرتبة من القانون ) .
لكن مجلس الدولة الفرنسي قد ردّ دعواه قائلاً :
i_ إن المادة (3) من القانون الدستوري الصادر بتاريخ (25/2/1875) كانت قد وضعت رئيس الجمهورية على رأس الإدارة الفرنسية و كلفته بكفالة تنفيذ القوانين ، و أنه بهذا يلتزم بالسهر على أن تكون المرافق العامة التي أنشأتها القوانين و اللوائح صالحة للعمل في كل وقت ، و على ألا تُشّل الصعوبات الناشئة عن الحرب بمسارها .
ii _ و أن تطبيق المادة (65) من القانون الصادر عام 1905 من شأنه خلال فترة الحرب منع ممارسة الدعوى التأديبية في عدد كبير من الأحوال و عرقلة سير العمل في كثير من الإدارات الضرورية لحياة الأمة .
نُلاحظ بأن السلطة الإدارية كانت قد علّقت تطبيق القانون بموجب مرسوم أدنى في المرتبة من القانون ، و قد إعتبر القاضي الإداري الفرنسي أن ذلك مشروعاً بسبب الظروف الإستثنائية (الحرب) .
2) القرار لابون (Labonne) الصادر بتاريخ (8/8/1919) :
و قضيته كالتالي :
كان السيد (Labonne ) قد إرتكب مُخالفتين أثناء قيادته لسيارته في نفس السنة ، فسحب المُحافظ منه رخصة القيادة ، فطعن السيد ( لابون) بقرار سحب رخصته أمام مجلس الدولة الفرنسي قائلاً:
إن الضابطة الإدارية العامة التي يمكن أن تتم ممارستها تجاه أي نوع من الفعاليات الخاصة ، موكول أمرها بالقانون لسلطتين فقط هما رئيس البلدية و المُحافظ ، و أن القانون لم يُوكل الضابطة الإدارية العامة إلا لهاتين السلطتين ، و أن المرسوم الذي أصدره رئيس الدولة بتاريخ (10/3/1899) ، لا يستند إلى نص من القانون ، فهو يتضمن تجاوزاً للسلطة ، و يجب إلغاؤه.
أما مجلس الدولة الفرنسي ( القاضي الإداري ) فقد ردّ دعوى السيد (لابون) قائلاً :
إن المهمة العامة الممنوحة لرئيس الجمهورية بتنفيذ القوانين تسمح له ( كما جاء في حكم (إرييه Heyries) بتاريخ (28/6/1918) ، بأن يعلق تطبيق نص تشريعي بموجب مرسوم ، كذلك تسمح له بأن يضمن النظام الحسن على كل إقليم الدولة ، بالرغم من غياب كل نص تشريعي يسمح له بذلك ، كذلك يقع على عاتقه السهر بأن تبقى المرافق العامة المُنشأة بالقانون و النظام في حالة عمل مُستمر .
إن الحُكميّن ( لابون و إرييه ) تمنحان لرئيس الجمهورية بذلك السلطات الأكثر إتساعاً ، في موضوع الضابطة الإدارية ، كما في تنظيم و تسيير المرافق العامة ، و كما تُعطيه سلطات تنظيمية خاصة ، بغضِ النظر عن كل تفويض تشريعي .
فهل هناك في إجتهاد محكمة العدل العليا الأردنية سابقاً ما يُشابه إجتهاد مجلس الدولة الفرنسي؟
و الجواب نعم ، فمحكمة العدل العليا كانت تفرض على السلطة الإدارية الأردنية إحترام مبادئ القانون العامة كمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
و مثال ذلك قراري محكمة العدل العليا رقم (154/65 ) و (75/69) .
و ملخص ذلك :
كان قد صدر عن محكمة العدل العليا بخصوص فقدان الموظف العام لوظيفته بسبب تغيبه عن عمله بدون إذن حكمين تبعاً لدعوى تجاوز السلطة التي تقدم بها موظفون طعناً بقرارات صادرة عن إداراتهم ، فإعتبر هذا القضاء العالي في الحكم رقم (154/65) :
" إن فقدان الوظيفة يُعتبر من تاريخ صدور القرار لا من تاريخ الإنقطاع عن العمل ، و أن القرار الإداري القاضي بإنهاء خدمة الموظف بإثر رجعي من تاريخ الإنقطاع عن العمل باطل من حيث رجعيته " ، و ألغى قرار السلطة الإداريه لرجعيته .
و على أثر صدور نظام الخدمة المدنية رقم (23 لسنة 1966 الذي تضمن المادة (110) التي تنص على أن الموظف العام الذي تغيّب عن عمله بدون إذن يُعتبر فاقداً لوظيفته من تاريخ تغيبه بعد إنتهاء إجازته لعدم وجود عذراً مشروعاً يُبرر التغيّب ، نجد أن محكمة العدل العليا كانت قد إعتبرت بالحكم (75/69) أن القرار الإداري الصادر عن الإدارة و الذي يُعتبر الموظف فاقداً لوظيفته من تاريخ تغيبه بأثر رجعي صحيحاً .
و للتعليق على ذلك نقول :
إن نظام الخدمة المدنية هو نظام مُستقل لا فرق بينه و بين النظام التنفيذي ، هو قرار إداري قابل للطعن بدعوى تجاوز السلطة لأنه بمادته (110) قد تجاوز مبدأً قانونياً ( عدم رجعية القرارات الإدارية) و بناءً عليه فإن القرار الفردي بحق الموظف العام و الذي يعتبره فاقداً لوظيفته بأثر رجعي أيضاً غير مشروع كالنظام نفسه الذي خرق المبدأ كما حصل في القرار السابق رقم (154/65) ، يجب إعتبارهما غير مشروعين ، لكن ما حصل هو العكس ، إذ إعتبرت محكمة العدل العليا ذلك مشروعاً ، لأن هناك ظرفاً إستثنائياً ، حيثُ أُعلنت الأحكام العرفيه عام 1967، و أصبح ما كان غير مشروعاً في الظروف العادية مشروعاً في الظروف الإستثنائية .
في الحقيقة ، إن تجاوز مبدأ ً قانونياً عاماً من قبل الإدارة غير جائز إلا بإذن من البرلمان بموجب قانون و لمناسبة واحدة فقط ، ذلك لأن مبادئ القانون العامة هي في مستوى القانون ومُتفوقة على جميع القرارات الإدارية .
و يجب أن ننوّه بأن رقابة المشروعية لا تختفي في الظروف الإستثنائية ، و إنما يتوسع مجالها فقط .
كل ذلك بغض النظر عن التشديد الإستثنائي لأنظمة الضابطة الإدارية من خلال تطبيق المادتين (124، 125) من الدستور الأردني في الظروف الإستثنائية .
لهذا كله نحن لسنا بحاجة ( لقانون مُؤقت له قوة القانون ) في دستورنا ، كي لا تكون موضع نقد.
إلى جانب أن القانون المؤقت هو إحدى الوسائل التي تتقوى بها السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية .
الأستاذ الدكتور
نفيس صالح المدانات
دكتوراه الدولة /فرنسا