حماية كبار السن .. رؤية استراتيجية
د.عبدالله القضاة
29-04-2015 11:44 AM
أن تتبنى المملكة الأردنية الهاشمية استراتيجية للشيخوخة الإيجابية بات مطلبا وطنيا ملحا وذلك بهدف بناء مجتمع تكون مساهمات كبار السن ومشاركتهم موضع تقدير فيه ، ولم يعد خافيا أن قضية حماية المسنيين بدأت تلوح بالافق ؛ خاصة ان نسبة كبار السن (60+سنة) من التعداد السكاني في الأردن عبر الفترة (2009-2013) فقد بلغت حوالي 5.2%، ووفقا لوثيقة سياسات الفرصة السكانية الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان، فان هذه النسبة سوف تكون في تزايد في الأردن عبر العقود الأربعه القادمة، حيث من المتوقع أن تصل في حدها الأعلى إلى 10.99% مع نهاية عام 2050.
وفي ضوء مشاركة الأردن في حضور اجتماعات الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة في مدريد عام 2002، بادر المجلس الوطني لشؤون الأسرة بصياغة الاستراتيجية الوطنية الأردنية لكبار السن التي تم إصدارها للمرة الأولى في عام 2008 كوثيقة مرجعية رئيسة لقضايا كبار السن في الأردن، وقد تم إعداد وصياغة هذه الاستراتيجية تماشياً مع الإطار العام لخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، مع إضفاء نوع من الخصوصية التي يتمتع بها المجتمع الأردني من ثقافة عربية ودينية في التعامل مع قضايا كبار السن. كما حددت الاستراتيجية الإطار المؤسسي لشؤون ورعاية كبار السن في الأردن من خلال تشكيل اللجنة الوطنية لكبار السن والتي تضم ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية والخاصة المعنية بقضايا كبار السن، غير أن المجلس ؛ ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها ؛ إلا أنه لايمتلك صفة الإلزام للجهات المعنية بتحقيق الأهداف الحيوية لإستراتيجية كبار السن ، كما أنه لايمتلك التمويل الكافي لتحقيق برامج الحماية للمسنيين سواء في تعزيز دورهم في التنمية، أوتوفير الخدمات الصحية والرفاه لهم أو تهيئة بيئة تمكينيه وداعمة لهم.
أما مؤسسة الضمان الاجتماعي فدورها يقتصر على توفير الراتب التقاعدي لكبار السن في حال إشتراكهم في الضمان لمدة لاتقل عن (180) إشتراكا، حيث تشير إلاحصائيات الرسمية أن حوالي (74%) من كبار السن في الأردن يحصلون على رواتب تقاعدية ، لكن ذات الإحصائيات تبين أن نسبة (66%) من الحاصلين على رواتب تقاعديه هم تحت خط الفقر؛ وهذا يعني أن الراتب التقاعدي لايوفر الحماية الكافية للمسنيين خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان حاجة المسنيين للرعاية الصحية المنزلية والعلاج والأدوية المزمنة ناهيك عن ارتفاع كلف دور إيواء المسنيين وعدم كفاية النفقات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية لهذه الدور نظرا لضعف المخصص السنوي في الموازنة العامة للدولة.
كما أن هناك جهوداً تبذل في مكافحة فقر كبار السن، فهناك العديد من الإجراءات المؤسسية المتخذة في سبيل تحسين ظروف معيشة الفقراء المسنين. فقد تم إقرار قانون الضمان الاجتماعي الأخير ليتضمن خطوات إيجابية في هذا المحور ؛ لعل أهمها السماح لكبار السن بالإستمرار بالعمل والشمول بعد سن الشيخوخة ؛ كما تم ربط الرواتب التقاعديه بالتضخم ؛ إضافة الى توجهات المؤسسة في منح قروض لكبار السن المتقاعدين بهدف تمكينهم اقتصاديا ، أما صندوق المعونة الوطنية فيبذل جهدا ملحوظا حيث تم تعديل تعليمات المعونات المالية لسنة 2012 الصادرة عن الصندوق ، لتشمل صراحة فئة المسنون واسرهم. هذا وقد ارتفعت عدد الأسر المسنة المستفيدة من معونات صندوق المعونة الوطنية في كافة محافظات المملكة بنسبة 8.8%، وزيادة نسبة الأسر المسنة في مناطق الريف والبادية بنسبة 5.9%، إذ شكلت الأسر المسنة المستفيدة في مناطق الريف والبادية ما نسبته 67.2% من إجمالي المستفيدين من الأسر المسنة في المملكة. كما بلغت نسبة المعونات المقدمة للأسر المسنة حوالي ثلث المعونات المصروفة من قبل الصندوق لكافة المستفيدين. وقام الصندوق بتعديل آلية الصرف بخصوص خدمات برنامج التأهيل الجسماني (الأجهزة الطبية المساندة) المقدمة لكبار السن، حيث شكل المسنون المستفيدون من هذه الخدمة ما نسبته حوالي 25.4% من إجمالي المستفيدين من هذا البرنامج لعام 2013.
ومن جهة أخرى، قام صندوق المعونة الوطنية باستحداث مديرية جديدة وهي (مديرية التدريب والتأهيل) تقوم بتدريب أبناء الأسر المنتفعة وتأهليهم وايجاد فرص عمل مناسبة لهم لرفع مستوى دخل الأسر وقد انتفع من هذا البرنامج عدد من أبناء أسر المسنين.
وقد بلغت نسبة كبار السن المستفيدين من معونات صندوق الزكاة ( 1.6%) من إجمالي المستفيدين. كما أن وزارة الصحة قامت بتوسيع مظلة التأمين الصحي لكبار السن من خلال شمول الفئة العمرية من سن ستين عاما فأكثر من غير المؤمنين صحياً القادرين وغير القادرين منهم بمظلة التأمين الصحي في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة مع إمكانية شمولهم بخدمات التأمين الصحي من قبل الخدمات الطبية الملكية في حال عدم توفر إمكانية المعالجة لهم في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة لقاء استيفاء مبلغ وقدره (6) ستة دنانير شهرياً من كل مواطن ضمن هذه الفئة، وهناك جهود لمؤسسات حكومية اخرى تصب في هذا الاتجاه.
والقطاع الخاص الأردني ومؤسسات المجتمع المدني لها اسهامات في حماية المسنيين، فهناك احدى عشر مؤسسة إجتماعية في الأردن تستضيف النساء والرجال من كبار السن, ست مؤسسات منها خيرية غير ربحية تتعهدهم حتى نهاية العمر وتتولى وزارة التنمية الإجتماعية حسب اتفاقيات مع هذه المؤسسات تغطية رسوم غير المقتدرين بعد اجراء دراسة لأحوالهم الإقتصادية، ولعلنا نشير هنا الى الجهد الوطني المتميز الذي تقوم به السيده هيفاء البشير ؛ أطال الله في عمرها؛ في خدمة ورعاية كبار السن ، فهي انشأت ورعت " دار الضيافة للمسنين "من خلال جمعية الأسرة البيضاء التي لم ترفض يوما مسناً منحدر الصحة محدود الإمكانيات منذ عام 1979م وحتى هذا التاريخ أي عبر 36 عاماً، إضافة إلى ماقام به منتدى الرواد الكبار بالتعاون مع أندية Toast Masters (توست ماسترز) بتنمية قدرات كبار السن من الجنسين في مجالات الخطابة والقيادة، وباللغتين العربية عبر (نادي البيان) وباللغة الانجليزية من خلال مشاركة عشرة أندية، كما ويقوم بتدريب كبار السن على تنسيق الزهور من خلال التعاون مع جمعية ( الايكابانا). ويقيم المنتدى سنوياً أنشطة فكرية ومحاضرات يتم من خلال بعضها مناقشة كتب لأدباء مبدعين ومشهورين ومنهم كبار السن، بالإضافة لبرامج ترفيهية ترويحية تستهدف كبار السن ورحلات داخلية وخارجية.
مما سبق نستنتج أن هناك جهود تبذل في الدولة سواء من القطاع العام او الخاص او مؤسسات المجتمع المدني ، لكن هذه الجهود غير كافيه وغير مستدامة، ويمكن الإستنتاج كما أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الدولة في الإستجابة الفاعلة لحماية كبار السن تكمن في ثلاثة محاور رئيسة هي ؛ الأول : غياب الإطار المؤسسي الموحد الذي يصنع سياسات الحماية الاجتماعية على مستوى الدولة ويمتلك سلطة الالزام والمساءلة حول تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية ، أما الثاني ؛ وهو الأهم ؛ غياب تشريع وطني "قانون" يوفر الحماية الإجتماعية للمسنيين والفئات التي تحتاج الحماية في المجتمع الأرني، في حين يتعلق الثالث في غياب أو عدم كفاية التمويل المستدام لبرامج حماية المسنيين.
وحتى تنجح الدولة بتحقيق الحماية المستدامة لكبار السن وبالشكل الذي يتوائم مع المعايير الدولية ، فإنني أقترح على الحكومة الأخذ بالتوصيات التالية:
أولا : إصدار تشريع "قانون" بإسم " قانون الحماية الإجتماعية للمسنيين" ويتضمن المحاور الرئيسية لهذه الحماية من تهيئة بيئة تمكينيه وداعمة لكبار السن ، وإدماجهم في عملية التنمية وتوفير الخدمات الصحية والرفاه المستدام.
ثانيا : إيجاد إطار مؤسسي يشكل مرجعية وطنية لصنع السياسات الخاصة بالحماية الاجتماعية، ويمكن أن تتشكل هيئة وطنية عليا لسياسات الحماية الاجتماعية وترتبط برئيس الوزراء، وذلك لتشكل مظلة مؤسسية لضمان مأسسة عملية الحماية الإجتماعية على مستوى الدولة.
ثالثا: إنشاء صندوق وطني للحماية الإجتماعية، يتكون من مصادر تمويل مستدامة من القطاعين، فبالإضافة الى تخصيص مبالغ دورية في الموازنة لصالح الصندوق قد تفرض الدولة مبالغ معينة من نسب ارباح الشركات وصندوق الزكاه ونسبة من عوائد أرباح صندوق إستثمار أموال الضمان الإجتماعي إضافة الى الهبات والوقف والتبرعات لصالح الصندوق.
رابعا: وضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية للحماية الإجتماعية ومن ضمنها كبار السن وغير المشمولين بمظلة الحماية المقدمة من الضمان الاجتماعي او صندوق المعونة الوطنية وغيرها.
خامسا : إلزام مؤسسات القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني تضمين إستراتيجياتها بمحور المسؤولية المجتمعية وتضمينه مبادرات لخدمة كبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة.
a.qudah @yahoo.com