"بيت الكرك" الوفاء والإنجاز!
د. زيد نوايسة
27-04-2015 03:04 PM
المضافات والدواوين إرث أردني ومشرقي قديم ومتأصل في الثقافة والسلوك الاجتماعي؛ ولعلها اتخذت طابعاً منظماً منذ القرن التاسع عشر في الأردن وفلسطين وبلاد الشام عموماً إبان الحكم العثماني حيث لا وسيلة للتعبير عن الموقف الاجتماعي والسياسي إلا من خلال تلك الأطر الاجتماعية ذات التكوين العشائري والمناطقي للتعبير عن الرأي والموقف ومنها انطلقت حركات التغيير الاجتماعي والسياسي عندما كانت وسائل التعبير السياسي منعدمة!!
مع تطور الحياة وانتشار الناس وزحفهم نحو الحواضر السكانية والاقتصادية كان لا بد من خلق حالة تساهم في إستدامة العلاقات بين أبناء المناطق والقرى والتجمعات العشائرية الذين اتخذوا من العاصمة والمدن الكبيرة مستقراً فرضته ظروف العمل والتعليم والبحث عن وسائل الحياة الحديثة المفقودة أو المتواضعة في حال وجودها في قراهم وبلداتهم؛ بالإضافة إلى أن الحنين والوفاء يظل دائما للمنزل الأول وذكريات الصبا والنشأة الأولى، وكما قال الشاعر أبو تمام "كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأولِ منزلِ" !!
ضمن هذه الرؤيا جاءت فكرة إقامة دواوين ومضافات تحمل أسماء المدن الأردنية في العاصمة عمان؛ يجتمع فيها أبناء المحافظة من شتى عشائرهم وألوانهم الاجتماعية تحت عنوان واحد جامع هو الوفاء لمسقط الرأس والأهل تكون ملتقى دائماً في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية وتعزز من أواصر التلاحم الاجتماعي وتساهم في توحيد الناس وتواصلهم، ولقد كان لمجموعة طيبة من أبناء محافظة الكرك المبادرة لتأسيس ديوان أبناء الكرك منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً في موقع مميز في ضواحي عمان ليخدم ليس فقط أبناء الكرك بل كل من يحتاج إليه من أبناء الوطن الأردني!!
لم يكتف هؤلاء الشباب الذين تحملوا على عاتقهم وبذلوا جهدهم ووقتهم لمتابعة أمور الديوان والعمل على توفيره لمن يحتاج إليه واستئجار مقر لائق له؛ بل ظل هاجسهم إقامة بناء مميز يليق بالكرك وتاريخها وسيرة قاماتها الوطنية التي ساهمت في مسيرة العمل والبناء الوطني عبر كل تاريخها؛ فكان القرار بإنشاء "بيت الكرك" منذ عدة سنوات وبدعم ملكي سخي ومستمر من لدن جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، وبجهد تطوعي وبدعم وتبرع من أبناء الكرك ومن الجهات الحكومية وبعض الشركات وبتصميم مميز من معماري ألمعي من أبناء الكرك هو المهندس فارس بقاعين وبإشراف من أعضاء الهيئة الإدارية للديوان وبمتابعة يومية حثيثة من رئيسها الأستاذ زياد الشمايلة !!
قبل أيام قدر لي أن احضر اجتماع الهيئة العامة كأحد أبناء الكرك التي اعتز بانتمائي لها ولأهلها كما اعتزازي بكل الأردن، وكان الاجتماع الأول في المبنى الجديد "بيت الكرك" والذي سيفتتح رسمياً بعد أسابيع قليلة بعد استكمال بعض التجهيزات، لأرى مفخرة رائعة تليق بالكرك وأهلها ويستحق القائمون على الانجاز المتميز من هيئة إدارية ومهندس مصمم ومشرف ومتبرعين من الجهات الحكومية والشركات ومن أبناء الكرك كل الشكر والثناء والعرفان على جهودهم الرائعة ووفائهم لمدينتهم وأهلهم !!
على تلة جميلة من تلال عمان وبين غابات السنديان والصنوبر الجميلة في منتزه غمدان وعلى مساحة تقارب الخمسة دونمات تم تخصيصها من أم المدن الأردنية العاصمة الحبيبة "عمان" من خلال الأمانة؛ يقع" بيت الكرك"، ويتكون البناء من طابقين رئيسيين وطابق ميزانين يضم مكتب إدارية لديوان أبناء الكرك بالإضافة لساحات ومواقف للسيارات وفضاءات جانبية، يتكون الطابق الأول البالغة مساحته 2300 متر مربع من قاعة رئيسية تتسع لما يزيد عن أربعمائة شخص بقليل وقاعة بجلسات عربية وبتصميم يراعي الأصالة والتراث وتتسع لما يقارب المائتين وعشرة أشخاص بالإضافة لصالة طعام كبيرة وقاعة اجتماعات ومطابخ وخدمات، وأيضا وجود مطبخ إنتاجي كبير ومميز يقدم المأكولات الشعبية والتراثية أما الطابق الثاني والبالغة مساحته ألف وخمسمائة متر فيتضمن قاعة كبرى للاحتفالات ومسبح ومتحف يؤرخ لتاريخ الكرك ورجالاتها !!
"بيت الكرك" من أجمل عناوين الوفاء والارتباط بالجذور ومن المؤكد أن "خشم العقاب" والمدينة التي ارتبط إسمها بالملك المؤابي ميشع وبالقائد صلاح الدين الأيوبي وبثوار وشهداء "الهية" المغروسة في الوجدان والذاكرة كالوشم الفرعوني الذي لا يمحى تستحق ويستحق أبناؤها مكان لائقاً وجميلاً عابقاً بكل ما عرفناه عن تاريخ مدينتنا من حضور ودور ومكانة، وتستحق هذه التجربة أن تعمم على كل المدن الأردنية الغالية فنتمنى أن نرى قريباً بيت اربد وبيت المفرق وبيت معان وبيت جرش وبيت لكل محافظة من محافظاتنا!!
ختاماً، في الوقت الذي نشكر فيه الهيئة الإدارية السابقة على جهدها الرائع والعظيم والذي كرس من خلاله أعضاؤها جل وقتهم لانجاز "بيت الكرك"، نتمنى على المجموعة الطيبة من أبناء الكرك الذين انتخبوا قبل يومين الاستمرار في الانجاز والعمل على التواصل مع أبناء الكرك للانتساب والمساهمة في دعم ديوان أبناء الكرك ليبقى مظلة جامعة وبعيدة عن العصبية الفرعية ويعبر عن رمزية الوفاء للكرك والانجاز الذي يليق بتاريخها وأهلها الكرام!!