الوعـي السياسي لدى المواطـن الأردنـي عامـل جـديد من عوامـل الاستقـرار السياسـيأ.د. أمين مشاقبة
27-04-2015 12:37 PM
ان التغيرات السياسية التي حصلت في المملكة خلال العقدين الماضيين من زيادة في مستوى التعليم العام والتعليم العالي وتخفيض مستويات الأمية بشكل كبير، وازدياد وسائل الاتصال الجماهيري القادم من ثورة تكنولوجيا المعلومات (الإنترنت، وسائل الإعلام المختلفة، الإعلام الاجتماعي، المواقع الالكترونية، الفضائيات وغيرها). يضاف إلى ذلك التحول الديمقراطي السلمي وبناء منظومة قانونية ناظمة للحياة الديمقراطية بمختلف جوانبها وتأسيس هياكل جديدة ذات وظائف محددة، وبصورة نسبية ارتفاع مستوى الحرية، والمساواة، والعدالة، وسيادة القانوني والتي ساهمت في ارتفاع درجات المؤسسية في النظام، وارتفاع قدرته على التكيف والاحتواء، كل ذلك أدى إلى ارتفاع درجة الوعي السياسي لدى المواطن الأردني، أي أن الإدراك السياسي بالأحداث والقضايا على كافة الأصعدة ارتفع بدرجات عالية، وبذا أصبح الوعي السياسي لدى المواطن الأردني لديه كل المكونات الاجتماعية عاملاً أساسياً من عوامل الاستقرار السياسي والأمني للدولة. ان فهم معطيات الواقع السياسي للحالة الأردنية أولاً لدى الفرد على صعيد معرفته التام بالأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الدولة، وتقبله نسبياً ارتفاع كلفة المستوى المعيشي، على الرغم من إدراكه لواقع الغلا والتضخم وتدني القوى الشرائية للعملة الوطنية مقابل العملات الصعبة، وتحمله وصبره على العديد من الاختلالات البنيوية في الإدارة من ضعف وتدني الإنجاز الإداري والبيروقراطية بإطارها السلبي، وازدياد الدين العام الخارجي، وتعايشه مع العديد من السلبيات في المجتمع والدولة من أجل الحفاظ على حالة الأمن والاستقرار في كافة أرجاء المملكة. ان نعمة الأمن والاستقرار وغياب عوامل عدم الاستقرار من الحالة الأردنية، تقف على وعي الفرد والمواطن بالحالة بكل تجلياتها وأبعادها، فبعد احتلال العراق في ابريل 2003 سقطت الدولة العراقية بكل مكوناتها وهياكلها ومؤسساتها ولعبت عوامل خارجية على فرض عملية سياسية فاشلة لغاية اليوم إلى انجراف المجتمع العراقي نحو حرب طاغية عرقية مذهبية تم تغذيتها من العديد من المكونات الداخلية والدول ذات المصلحة في ذلك، فغاب الاستقرار السياسي والأمني عن العراق طيلة الفترة الزمنية الماضية ولا زال ومع ظهور التيارات الجهادية السلفية (داعش) وغيرها ازدادت مستويات العنف، وأصبحت الدولة العراقية فاشلة وتعاني ما تعانيه من قتل، ونهب، وتهجير، ونزوح، وفساد، وصراعات مستمرة ربما يطول أكثر، وهذا كله كان أمام عين المواطن الأردني. وجاء بعدها الربيع العربي الذي بدأ في تونس، وامتد إلى مصر، وليبيا ومن ثم اليمن، وسوريا، والأحداث جميعها أثرت بنسب ودرجات متفاوتة على عقل المواطن الأردني، ومستوى إدراكه السياسي، وعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي حصل في كل من تونس ومصر، إلا أن أكبر الأحداث تأثيراً على الحالة الأردنية ما يجري في سوريا من دمار وقتل وتهجير ونزوح ولجوء وشهد المواطن الأردني بأم عينه هذا الأثر الماثل أمامه في عقر داره من اللجوء السوري الذي فاق عدده المليون والنصف في الأردن وحده، علماً بأن دولاً أخرى مجاورة وصلها اللجوء وبالذات لبنان، وتركيا، ومصر، إذ أن المهجرين بسبب الحرب الدائرة هناك وصل ما يزيد عن أربعة ملايين مواطن. وفي تلك الفترة من الزمن ظهر حراك شعبي أردني في العديد من المحافظات مطالباً بالإصلاح السياسي، ومكافحة الفساد وتحسين المستوى المعيشي، وتحسين الإدارة العامة، وإحداث تغيرات عامة في بنية الدولة وقابل الحراك السلمي الأردني حالة من التكيف السياسي العالي المستوى في الاستجابة التدريجية لإحداث إصلاح سياسي حقيقي بدأ بالتعديلات الدستورية عام 2011 وغيرها، ناهيك عن أن التعامل السلمي من قبل قوى الأمن والأجهزة ذات العلاقة كان تعاملاً يقوم على الاحتواء بعيداً عن استخدامات العنف أو القوة، فالأجهزة الأمنية على مختلف مستوياتها تعاملت بطرق حضارية سلمية مستخدمة أعمال القانون والاتجاه إلى سلطة القضاء لتقول قولها العادل والنزيه في معظم القضايا التي عرضت أمامها، وكل هذا أدى إلى تراجع الحراك في كافة مناطق المملكة وتلاشيه وفي هذا الصدد كان للقيادة الحكية العقلانية، الراشدة الدور الأساسي في احتواء الحراك الأردني والتعامل معه بأرقى المعايير الموضوعية والحضارية والاستجابة لما يمكن تحقيقه ضمن القدرات والإمكانات المتاحة. إن أحداث الإقليم في سوريا، العراق، اليمن، ليبيا واستمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أثرت جميعها على عقل المواطن الأردني الواعي في فهم قيمة الأمن والاستقرار السياسي للدولة، فإن العامل الخارجي وما به من فوضى، وقتل، وخراب، وهجرات، وغياب قيم العدالة والإنصاف أسهم إسهاماً كبيراً في رشادة عقل المواطن وإدارته العقلي بأهمية مفهوم الأمن الشامل لديه، وعزز من قدرته على التعايش رغم إدراكه السياسي بالاختلالات والاخفاقات الداخلية وحالته العامة. عودة إلى أسباب الوعي والإدراك السياسي لدى المواطن والتي من الممكن إيجازها بما يلي: أولاً التعليم وإزالة الأمية: تطور التعليم العام بالمملكة بشكل مذهل لأن الموارد البشرية هي ركن أساسي من مكونات الدولة وقدرتها وأمام نقص الموارد الطبيعية عمل المواطن على بناء نفسه وسهلت الدولة عليه ذلك في توسيع قاعدة التعليم العام وللمقارنة تشير المصادر التاريخية عن عدد الدارسين على مقاعد الدرس في التعليم العام والخاص عام 1934 وصل إلى 11 ألف طالب وطالبة واليوم يجلس على مقاعد الدرس في التعليم العام ما يزيد عن مليون وسبعمائة ألف طالب وطالبة، وفي مجال التعليم العالي بدأنا عام 1962 بتأسيس أول جامعة أردنية بدأت بما يقارب 340 طالب وطالبة وأصبح لدينا الآن ما يزيد عن 33 جامعة حكومية وخاصة ويجلس على مقاعد الدرس فيها ما يربوا عن 320 ألف طالب وطالبة، ناهيك عن وجود ما يقارب 28 ألف طالب في التعليم المهني والتقني بالإضافة إلى كليات المجتمع الحكومية والخاصة، ويضاف إلى كل ذلك أن نسبة الأمية في تراجع كبير على المستوى العام إذ تصل إلى 6.8%، وعليه فإن التعليم والمعرفة والقدرة على الكتابة والقراءة عامل مهم في زيادة مستويات الوعي والإدراك العام لدى المواطن الأردني في مختلف أرجاء المملكة وكافة المكونات الاجتماعية والوعي والإدراك السياسي للواقع والأحداث هو أحد فروع الوعي العام. ثانياً وسائل الاتصال الجماهيري: قبل ثلاثة عقود ظهرت على المستوى العالمي ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي ما لبثت أن اكتسحت العالم أجمع، ومنها الأردن، فإن التغير في هذا المجال أصبح متسارعاً خصوصاً في العقد الأخير، فقد أثرت على المواطن الأردني هذه التغيرات المتسارعة في مجال تكنولوجيا المعلومات وأصبحت جزءاً من النظام التعليمي على كل مستوياته وأصبح من السهولة بمكان التعامل مع هذا التقدم التكنولوجي الاتصالي الذي زاد من مستويات التعليم والمعرفة وتوسيع مدارك الفرد، فظهور الفضائيات والمواقع الالكترونية العامة والمتخصصة، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت وسارعت في زيادة درجات الوعي والإدراك لدى المواطن الأردني وخصوصاً النشء الجديد، آخذين بعين الاعتبار أن 53% من أبناء المجتمع الأردني دون سن العشرين وحسب الدراسات في هذا المجال هناك 40% من أبناء الشعب يملكون اشتراك في الإنترنت، و62% لهم تواصل مع الإنترنت من خلال مواقع عملهم، وما يزيد عن 12 مليون اشتراك خلوي وتطور وسائل الإعلام سنوياً كل هذا وغيره في هذا المجال زاد من درجات المعرفة والإدراك للعديد من القضايا والأحداث على المستويين الداخلي والخارج وسرع في وصول المعلومة والإطلاع عليها للمواطن، إن هذا العامل هو سبب رئيس في زيادة درجات الوعي والإدراك العام بما فيها الوعي السياسي. ثالثاً موجة الديمقراطية الثالثة: مع بداية الثمانينات من القرن المنصرم ظهرت على الساحة العالمية موجة ديمقراطية ثالثة تقوم على الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وقواعد الانصاف والعدالة، ونشر القيم الديمقراطية الأساسية مثل الحرية، والعدالة، والمساواة، وكرامة الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وهي منظومة متكاملة سعت العديد من الدول والمنظمات الدولية المتخصصة على نشرها عبر وسائل متعددة، وقد تأثر عقل المواطن الأردني بهذه القيم وازدياد درجات الوعي والإدراك السياسي بها وأصبحت نسبياً جزء من مظومة القيم العامة المتعامل بها يومياً، ناهيك عن دور المناهج التعليمية، ووسائل الاتصال الجماهيري المختلفة والندوات والمؤتمرات والحراك الفكري في هذا السياق أدى إلى إعلاء شأن وقيمة هذه المضامين التي يسود نسبياً جزء منها في عقل المواطن الأردني، يضاف إلى ذلك التحول الديمقراطي التي تمر بها البلاد منذ عام 1989 وما أنجز في هذا المجال في الإطار التشريعي القانوني، وتجديد الهياكل والبنى والمؤسات، والتغير الطفيف في منظومة القيم الاجتماعية، بالإضافة إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية على المستويين الوطني والمحلي، كل هذا ساهم مساهمة مباشرة في زيادة وارتفاع درجات الوعي والإدراك السياسي لدى الفرد الأردني. رابعاً الاعتزاز الوطني (الانتماء أولاً): إن الشعب الأردني عموماً لديه اعتزاز عالٍ بوطنه ونظامه السياسي وهذا جزء من الثقافة السياسية العامة التي تعتمد على ثلاثة أبعاد هي البعد المعرفي في النظام ومكوناته، والبعد الشعوري الرمزي في احترام رموز الوطن والمشاركة في الاحتفالات الوطنية، والبعد التقييمي الذي يقوم على قدرة الفرد في تقييم أداء مؤسسات النظام إيجابياً أو سلبياً. إن الانتماء هي عملية انتساب الفرد لوطنه “المؤل والماكن الأول” متفاعلاً معه قولاً وفعلاً وعملاً واستعداده للوقوف معه والدفاع عنه في السراء والضراء، والانتماء هو ذلك الشعور والاحساس بالانتساب لوطن وشعب وثقافة وهذا يتم التعبير عنه بالجنسية “المواطنة” ويستدل على ذلك بالمشاركة الإيجابية في كافة أنشطة المجتمع والدفاع عن مصالح الوطن والشعور بالفخر والاعتزاز بهذا الانتماء والحفاظ على الإنجازات والمرافق العامة، أما الولاء فهو ذلك الشعور بالولاء والارتباط بنظام سياسي حيث يشعر الفرد بولائه لفكره، ويعتقد أنه يمثله ويتماثل معه، إن هذا العامل هو جوهر حياة الأردنيين الذي ساهم بزيادة وعيهم السياسي وإدراكهم الكامل بالحفاظ على حالة الأمن والاستقرار ومعها مبدأ الوجود والاستمرار تحت مظلة الاعتزاز الوطني العالي، ومن المعروف أن الاعتزاز الوطني يزداد في فترات الأزمات والضيق ولذا فإن وعي المواطن الأردني عالٍ في هذا المجال، ناهيك عن أن النظام السياسي يتمتع بشرعية عالية جداً تقوم على عوامل تاريخية، ودينية وقومية وإنجاز متواصل فقيم النظام تتطابق مع قيم الناس. وبناءً على ما تقدم يمكن القول أنه تم نحت مفهوم جديد كعوامل من عوامل الاستقرار السياسي في المملكة الأردنية الهاشمية ألا وهو الوعي السياسي لدى المواطن الأردني يضاف إلى بقية العوامل الأخرى. إن ظاهرة الوعي السياسي التي تقوم على الفهم والإدراك والرشادة، والحكمة والعقلانية، والمعرفة بالحالة والحدث، والظاهرة تساهم مباشرة في تعزيز حالة الأمن والاستقرار النسبي التي تشهدها المملكة ولا أحد يمكنه اليوم إنكار ذلك، وعلى الرغم من وجود اختلالات في الواقع الاجتماعي والسياسي والإداري إلا أنها تبقى فرعية تأثيرها طفيف جداً على الحالة العامة للبلاد، ولا ترقى أن تكون من الظواهر العامة التي تحمل طابع الاستمرارية، والأحداث الفرعية لا يمكن القياس عليها. إن ظاهرة الوعي السياسي العامة لدى أبناء الشعب الأردني على امتداد ساحة الوطن هي ركن أساس ورئيس في حالة الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشه البلاد، ونحن اليوم قادرون أكثر من ما مضى على حماية الوطن والدفاع عنه نتيجة للوعي الوطني العام بأهمية الحفاظ على معادلة النجاح والإنجاز والاستمرار وجميعها تعود إلى الاستقرار السياسي في الدولة الأردنية.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة