أزمة الصحافة الورقية أم أزمة الإعلام الأردني؟
يحيى شقير
27-04-2015 11:35 AM
ضمن مشروع "مؤشرات تطوير الإعلام" في الأردن الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالتعاون من الحكومة وأترأس فريق البحث الخاص به، أتيحت لي الفرصة لحضور جلسات استماع في عدد من المدن والبلدات الأردنية، حضرها "أصحاب المصلحة، والمصطلح مترجم ويعني باختصار جانب الطلب من متلقي الخدمة الإعلامية وتمثِّل وسائل الإعلام هنا جانب العرض".
وأتاحت لي هذه اللقاءات أيضا كصحافي مقدِّم خدمة، الاستماع إلى ممثلي"الطلب" من المجتمع المحلي من مختلف الوان طيف "قوس قزح" المجتمع الأردني حول الإعلام في الأردن.
ولحد الآن وجدت بعض المؤشرات التي تساعد في فهم أزمة الإعلام من وجهة نظر الناس ومنها:
-أن متلقي الخدمة غير راضين عن محتوى ما تنشره وتبثه وسائل الإعلام، ويرون أن صوت الحكومة يأخذ مساحات وأوقات كبيرة لترويج وجهات نظر المسؤولين وتصريحاتهم التي غالبا إما أن تكون ترويجا لإنجازات (هي واجبهم أصلا) أو تبريرية من خلال استخدام حروف السين وسوف "ستعمل الحكومة وسوف يتم بحث" وهكذا.
-لا تعطي وسائل الإعلام الأردنية أوقاتا ومساحات للمواطن ليعبِّر فيها عن آرائه ومطالبه، وإذا وُجدت مثل هذه الفرص النادرة، فغالبا لا يتم استضافة ممثلي "الرأي الآخر"، وإذا تم ذلك فيتم بشكل موسمي ونادر، وغالبا من يكون هناك إنحياز إعلامي إلى جانب الصوت الرسمي.
-شكلت الانترنت والفضائيات بديلا للتحول عن وسائل الإعلام الأردنية التقليدية التي لم تعد كجانب عرض تقدّم وتلبي حاجة الطلب الذي يريده الجمهور.
-على الصحافيين "التواضع" فهناك جمهور يضم فئات من المواطنين هم أكثر ثقافة من الصحافي مقدِّم الخدمة ويجب أن يعود الصحافي للاستماع إلى الناس في أماكن وجودهم في العمل والمزرعة والقرى، فهناك قصص تستحق أن تُروى. ففي غور الصافي تقوم جمعية نسائية بزراعة النبتة التي تستخرج منها "النيلة" التي كانت أمهاتنا تضعها مع الملابس البيضاء عند غسلها. وهذه النبتة تتم زراعتها في الهند وسلطنة عُمان. كما يقمن بصباغة أقمشة بألوان طبيعية خريفية وربيعية جميلة من الرمال الملونة في المنطقة بعد إضافة الرمّان أو الشاي أو البذنجان لها، ويقمن بخياطة حقائب والبسة في منتهى الجمال. وفي الزرقاء تقوم نساء بعمل صحيفة أسبوعية "هنا الزرقاء" ويدرن موقعا الكترونيا لها، وقمت بتحليل قصص إخبارية ومواضيع جرى نشرها كانت أفضل صياغة من مواضيع لصحافيين في عمّان ممن يعتقد الواحد منهم أنه "هيكل"، مع أنه بعد عشرين سنة من العمل الصحافي يخطئ في كتابة "فعل" إذا وقعت فيه الهمزة بعد أن يستخدم كل المناورات لتحاشي استخدامها.
-"حان وقت التغيير" وعلى وسائل الإعلام "التحوُّل" حتى لا تأتي اللحظة التي يقولون فيها ما قاله مخلوع تونس "الآن فهمتكم" لكن بعد فوات الأوان.
-ان أزمة الإعلام الأردني بدأت في الصحافة الورقية ولربما تمتد إلى المرئي والمسموع خاصة الرسمي.
-على التلفزيون الأردني التحول إلى خدمة البث العام حسب المعايير الدولية والممارسات الفضلى، وبالصيغة الأردنية "أن يكون تلفزيون وطن لا تلفزيون حكومة". وأن تخرج كاميرات التلفزيون إلى خارج عمّان لتعكس ما يجري في المدن الأخرى والبلدات والقرى فالأردن ليس العاصمة وحدها.
-على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون البحث عن تمويل خارج ما يتم تخصيصه لها من الموازنة العامة، ففي إحدى السنوات بلغ دخل التلفزيون عشرة ملايين دينار لقيامه بتأجير استديوهاته لمحطات أجنبية وقت الحرب على العراق في تسعينيات القرن الماضي.
-الترخيص لإذاعات مجتمعية خارج عمّان ففي الأغوار مثلا وهي سلة الأردن الغذائية لا تصل الإذاعة الأردنية لأغلب المناطق ولا يصل بث أية إذاعة أردنية خاصة للمنطقة. ولربما وضوح بث الإذاعات الفلسطينية يشكل مصدرا بديلا للحصول على المعلومات. وأقترح على مدير عام هيئة الإعلام أن يساعد على ترخيص إذاعة "غور الصافي" ودير علا ليس بإعفائهما فقط من الرسوم وإنما بدعمهما تقنيا.
-على المسؤولين (في الجانب الإعلامي) الاستماع للمواطنين لمعرفة مشاكلهم واتخاذ القرارات على ضوء ذلك في توجيه الإعلاميين للعمل الميداني.
-أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة تاريخية غير مسبوقة للمواطن العادي بالتواصل مع غيره من دون المرور عبر "حرّاس البوابات" في الصحف والإذاعة والتلفزيون. لا بل وصل الأمر إلى استخدامها في الدعوات لحضور الأفراح كالأعراس أو الأتراح كالموت والمرض.
-لا أنصح الحكومة باستخدام قوانين قديمة لإعلام جديد، وإذا حدث سوء استخدام نادر لوسائل الإعلام الجديد كالتحريض على الكراهية مثلا، فيمكن معالجة الأمر بإجراءات متدرجة بشرط "تقليل الضرر" وليس اللجوء فورا إلى محكمة أمن الدولة. فاللجوء إلى المحاكم يجب أن يكون كالكيّ "آخر الدواء".
عن العرب اليوم.