يبدو أن مبلغ العرب من الماء الى الماء, وشقاءهم وسوء طالعهم، سيبقيهم باستمرار فوق صفيح ساخن، تتقاذفهم امواج الفتن والفوضى والصراعات من كل حدب وصوب. فتاريخ هذه المنطقة الملتبس وجغرافيتها المضطربة، جعلت منها ساحة كبيرة للكثير من الاصطفافات والانقسامات والتجاذبات. ولم تشهد هذه المنطقة المستهدفة منذ عقود من الزمن الأمن والاستقرار , ولم تتنفس صعداء الحرية والسلام , ولم تحظى بمظاهر الطمأنينة والأمان، بل ان الأزمات والنكبات والاضطرابات التي لا تنتهي, اعاقت المجتمعات والشعوب عن تحقيق احلامها وتطلعاتها.
وشهدت هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل الكثير من الازمات والصراعات ولكن يبدو أن المرحلة الراهنة التي تعيشها، تكاد تكون الاكثر خطورة وتهديداً لمستقبلها، نتيجة ظاهرة التطرف والعنف المذهبي الخطيرة التي أخذت تتسبب في تصدع بنية هذه المجتمعات, وبدأت تبرز بشكل كثيف جداً في الكثير من التفاصيل، الصغيرة والكبيرة , وقد تشعل فتيل حرب قد يعرف البعض متى تبدأ, لكن لا يمكن لأحد أن يعلم متى تنتهي , ويقود هذه الحرب أرباب اللحى والعمائم , وتقف خلفها أجندات قوى دولية واقليمية توظف الصراع وفقا لأهدافها وتحقيقا لمصالحها , وتكتب بدماء المسلمين الفصل الأخير فى حياة بعض دول المنطقة.
بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980؛ أعلن زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر (إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب الخليج الأولى , تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو)، ومنذ ذلك الوقت، بدأ "برنارد لويس" وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية بصياغة مشروعه الخبيث الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية.
وفي كل صراع أو حرب فى المنطقة فتش عن إسرائيل التي تنشط لتأجيج هذا الصراع وتوظيفه لخدمة أطماعها , واحلال صراع جديد في المنطقة محل الصراع العربي الاسرائيلي, وجعل فلسطين قضية غير مركزية وثانوية نتيجة اشغال العرب في حروب بينية اخرى.
مؤتمر هرتسيليا السنوي، الذي يعتبر بمثابة (مؤتمر المناعة والأمن القومي لاسرائيل) ويسمى أحيانا (عقل اسرائيل)، حيث تشارك فيه كافة النخب الإسرائيلية , للحوار حول أبرز القضايا التى تواجه إسرائيل , وطرح رؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، وترتيب أولويات إسرائيل لمدة عام كامل، كان قد أوصى في المؤتمر الثالث عشر الذي انعقد عام 2013 الحكومة الإسرائيلية بضرورة تكريس الصراع السنى- الشيعى فى المنطقة، لإعادة تشكيلها مرة أخرى وتقسيمها إلى دويلات على أساس طائفي، وضرورة لعب دور فى تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد.
معظم التوقعات تشير الى أن الشرق الأوسط سيدخل مرحلة حروب دينية وطائفية قد تطول أكثر من الحروب الدينية المسيحية في أوروبا التي استمرت لثلاثة عقود، والضرورة تتطلب الانتباه وحشد الجهود السياسية والاجتماعية والفقهية للمؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى لنزع فتيل المذهبية عن هذا الصراع، وقطع الطريق على إيران والصهيونية العالمية التي تتمسك بالمذهبية كعنوان للصراع، من أن تقفز فوق هذه الحرب وتجعل منها وقودا لاحتقان ديني قد يستحيل السيطرة على مجرياته، حتى لا نسمح للقاصي والداني التكالب على القصعة العربية.
Mahers.arab@hotmail.com