أحببته قبل أن يصبح وليا للعهد
محمد مغامس الخوالدة
25-04-2015 05:48 AM
في ذاك اليوم.. من صيف 2002م... أنهيت محاضرتي طالبا في الجامعة الهاشمية... فتدفعني قصة عشقي دوما لأن أتوجه لذات الشخص الذي كلما رأيته أحسست بأن جبالا من الهموم تزاح عن كاهلي شيئا فشيئا ... "عبدالرحمن أبودلبوح" لم يكن مجرد موظف في ذاك المحيط ... أو رقم ينزل إسمه مدرجا ضمن قائمة الرواتب... بل تعدى كل هذه المفاهيم ليصل به الأمر أن يكون موجها ومرشدا وأستاذا وأبا ورفيقا وصديقا بكل ما تحمل الكلمات من معنى..
في ذات اليوم لم أجده في مكتبه.. فرحت أمشي هوينا مثقل الخطوات متعبا ... أترنح في مسيري نحو أقرب كافتيريا أحتسي منها كوبا من القهوه "سكر زياده" وأقلب رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" وأسمع إحداهن تهمس لصديقتها "باين عليه مثقف" فأدخل في نوبة من الابتسامة تبان لهن ... فتحمر خدودهن وكأنهن وجدن العاشق المتيم في قلب الصحراء ... وربما فارس أحلامهن.. في ضخم هذه الهواجس.. يصر صديقي العماني والذي كان رفيقا لي في مادة "العلوم العسكريه" على دعوتي لمرافقته إلى المجمع التجاري الشهير آنذاك "مكة مول" لحضور حفل عيد ميلاد صديق ... فيجبرني إلحاحه وإصراره إلى ضرورة مرافقته فيكون لصديقي ما ألح عليه..
حطت سيارة صديقي "بالباركنج".. رتبت هندامي على عجل... وبخخت قطرات من قنينة عطر فرنسي كانت بحوزة صديقي .. كانت أجواء عيد الميلاد أشبه بتغيير جو.. وعملية قتل للروتين اليومي المعتاد.. ساعتان من الوقت وتغيب شمس ذاك اليوم.. رحنا نتابع أحد الأفلام "لأحمد السقا" في صالة السينما بذات المول ... فخرجنا وكان الغروب قد ودعنا للتو ...
في صالة الألعاب.. كان ولي العهد يلعب برفقة زملائه الصبيان.. لم يتعدَ آنذاك عمره الثماني سنوات.. كان في كل مره ينتهي من لعبته يعود ليجدد "الفيشه" الخاصه بتلك اللعبه.. كان يمشي ويتحرك ولم تكن بجانبه سوى مرافقته الشخصية.. لا مظاهر مسلحة.. ولا برستيج من نوع خاص ولا أي شيء يذكر.. كان الشخص المسؤول عن الألعاب والذي يقوم بصرف "الفيش" خجولا من طفل اسمه الحسين ابن الملك.. فيقول كل مرة لسمو الأمير ... "خليها علينا سيدي" فما يكون من سموه إلا أن يمد يده لجيبه فيحاسب إسوة بزملائه الصبيان.. هممت بالخروج... فترافق خروجي مع سموه من ذات الباب .. ورغم أن الاصطدام كان لطيفا.. توقعت أن أنام في أقرب مركز أمني في تلك الليلة.. فأنا لم أصطدم بشخص عادي ... بل انه ابن الملك.. وتفاجأت بسموه يلتفت ليقول بكل عفوية "آسف آسف" ...
اليوم وبعد 13 عاماً.. أشاهد الحسين "ولي العهد" يترأس جلسة مجلس الأمن عن "الشباب في مناطق النزاعات ودورهم في صناعة السلام" متحدثا باللغة العربية... مسترسلا بمصطلحات أجبرت من في القاعه على الإنصات لمدلول الكلمات العميق وبكل حرف كان يتحدثه هذا النشمي.. حتى تعابير الوجوه كانت تبان عليهم بأنهم أحسنوا الإنصات ... وأن الحسين أوصلهم لتقنية الفهم الإستماعي بتلك الألفاظ والمعاني ... وكأنه كان يشدهم شدا لتذوق الحديث والولوج في تضاريس المعاني أكثر ...
هنيئا لنا بالحسين ... وهنيئا لنا بالنشمي الذي عانقت كلماته العربية سماء الإنسانية.. وأساطيل الأوطان.. وراح تطوف حول الأعداء... وحول من تغولوا بل وسفكوا معاني الإنسانية... لتقول لهم بصوت صبي شجي مؤمن اسمه الحسين: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" صدق الله العظيم.