الى قاريء كتب باسم فهمان تعليقا على حديثي عن هزاع المجالي واحمد الطراونة في معرض حديثي عن افراح طمليه: ... يا صديقي هذا التراب مليء بالبذور الطيّبة .. ابراهيم الضمور الذي عاتبتني على نسيانه يسكن وجداني قبل وجدانك ... تعال معي الى سطور من تاريخه .. والشريك في الملحمة هو قاســم الاحمد جد الوزير الفلسطيني الحالي عزام الاحمد ... اشكرك يا سيدي فقد اذكرتني الطعن وقد كنت ناسيا * * *
حينما استسلمت حامية عكا في أيار 1832 لجيوش الباشا محمد علي القادمة من مصر 0كان قاسم الاحمد زعيم جبل نابلس بلا منازع 00 في ذلك الحين كانت نابلس وما حولها من مصادر الإنتاج المهمة في فلسطين 000 زيت الزيتون والفواكه والصابون النابلسي الشهير 00 والقمح والبقوليات وقطعان الأغنام والأبقار 00وقبل كل هذا الجبنة النابلسية الشهيرة 0 والكنافة النابلسية الاشهر 000 كانت الحكومة العثمانية تلزم الضرائب لمتعهدين يدفعون لها ويحصلون من الناس 00وغالبا ما يلتزم شيوخ العشائر وزعماء المناطق بهذه الضرائب 00 مما أتاح لقاسم الاحمد ان يحافظ على الرخاء الاقتصادي في جبل نابلس 00ويساعد الناس بتخفيف الضرائب عنهم قدر الامكان 0 وكان رأي محمد علي باشا ان العرب غير جديرين بان يحكموا أنفسهم بأنفسهم 00فلا بد من غريب يحكمهم حسب رأيه 0 وهو ايضا غريب عن مصر نفسها 0 فهو ضابط الباني استغل الفراغ بعد جلاء الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون 0ونصب نفسه حاكما على ارض الكنانة بالسيف 000 خلال السنوات التالية اخذ ابنه ابراهيم بإدارة البلاد 00 بدأ بفرض ضرائب جديدة00 وجعل الخدمة العسكرية إجبارية على جميع البالغين 00وقرر نزع السلاح من الناس 0مما أثار سخط السكان فبدأت أولى الثورات ضده في جبل نابلس بقيادة زعيمها قاسم الاحمد 000 وجبل نابلس مشهور باسم جبل النار0 حيث لا تهدأ الثورات فيه من حين الى آخر كلما شعر سكانه بظلم او اعوجاج من الحاكم 000 وهكذا نشبت الثورة ابتداء من جبل النار 000 كما هي العادة 000 ولكن الجيش الذي هزم العثمانيين ابتداء من غزة وحتى انطاكيا استطاع ان يقمع ثورة نابلس وثورة الخليل بعدها 000 وتلفت قاسم الاحمد بحثا عن ملجأ 000 فاجتاز نهر الاردن إلى الشرق 000حل ضيفا ودخيلا على أبناء الكرك في قلعتهم التي كانت تقاوم محمد علي بين حين وآخر بقيادة إسماعيل ابن يوسف المجالي وإبراهيم الضمور 000 حل قاسم الاحمد ضيفا على الكركيين00 ووصلت اخبار لجوئه الى ابراهيم باشا فجاء الى الكرك على راس قوة كبيرة ليقبض عليه00 وبنفس الوقت يثبت حكمه للكرك 000 ولكن الكركيين رفضوا تسليم دخيلهم 000
يروي لنا العلامة الأستاذ روكس بن زائدة العزيزي تضحية إبراهيم الضمور بولديه الذين قبض عليهما ابراهيم باشا وهدد بقتلهما إذا لم يتسلم قاسم الاحمد من قلعة الكرك 0 ولكن ابراهيم الضمور يرفض مضحيا بولديه اللذين قتلا تحت أسوار القلعة 000 فقد اعتبر تسليم ضيفه ودخيله عارا يتجنبه بالتضحية بأولاده 000 ومع هذا لم يتراجع ابراهيم باشا عن حصار الكرك 000 وحينما أحس الكركيون بقرب النهاية 0 قاموا بإخراج ضيفهم قاسم الاحمد من المدينة0 وأرسلوا معه إسماعيل المجالي حماية له حتى يصل إلى مكان آمن000 ولكن الأقدار لم تترك لهما مجالا للنجاة فقد قبـض علـى إسماعيل المجالي حول مدينة معان ونقل إلى القدس حيث اعدم في مدخل سوقها 000 أما قاسم الاحمد فهرب من الجنوب إلى الشمال 00 من صحراء معان الى جرف الدراويش والقطرانة (قبل انشاء سكة الحديد ) 000 ثم الى الشرق من البلقاء ليحتمي بقبائل بني صخر 000 ولم يكن الصخور غرباء عن القدس ونابلس في ذلك الحيـن 000 فهم يمتارون مـؤونتهم من اسواقها 0 ويبيعون منتجات مواشيهم فيها 000 ويجلبون اليها نبات الجلو الذي يستعمله النابلسيون في صناعة الصابون قبل اختراع الصودا الكاوية ووصولها الى مصانعهم 000 بالرغم من عيون ابراهيم باشا المبثوثة هنا وهناك لالتقاط خبر عن قاسم الاحمد 00 فقد كان في حصن حصين من مضاربهم 00 اذا احسوا بضيوف غرباء اخرجوه في جولة على المراعي 000 حيث قطعان الابل والاغنام تملأ السهول ما بين خان الزبيب واليادودة قرب عمان 000 وكان الكثير من فلاحي نابلس يزرعون اراضي بني صخر بالمشاركة 00 حتى ان بعض اهالي عقربا اقاموا في القسطل والجيزة ومنجا 000 واصبحوا جزءا من نسيج مجتمعها 00 واكثرهم شعبية في وجدان الاردنيين المرحوم صالح العقرباوي الملقب بكريم الجيش 000 تاقت نفس قاسم الاحمد الى الدار في جبل نابلس 000 الى الجلوس تحت زيتونة عتيقة 000 وحوله جمع من رفاقه واقاربه 000 ظن ان الباشا وعيونه قد نسوه فخرج الى السلط 000 وبين السلط ونابلس تلك العلاقة الحميمة التي تركت بصماتها على اسماء العائلات حتى اليوم 000 فالسلط هي حاضرة البلقاء 0 وبوابتها الى البادية الشرقية 00 والتجار النابلسيون سبقوا زملائهم الدمشقيين في التجارة مع البلقاء 000 وفي السلط سيجد قاسم الاحمد احبته واصدقائه من ابناء السلط 000 وسيعرف اخبار البلد الذي خرج منه خائفا يترقب 000 وكان يخطط للعودة الى جبل نابلس 00 يختفي بين غابات الزيتون والبلوط والخروب حتى ترحل جيوش ابراهيم باشا عن بلاد الشام 00 فالاخبار تقول ان الباب العالي في عاصمة العثمانيين لن يسكت طويلا على جرأة الضابط الالباني الذي حكم مصر بالصدفة 000 ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن 000 في الطريق الى السلط تعرف احدهم على قاسم الاحمد 000 وفي ذهنه تلك الجائزة من الذهب الاصفر التي اعلن عنها ابراهيم باشا 0 لمن يقبض على الثائر الكبير ويسلمه لعسكر الباشا 000 وهكذا 00 بعيدا عن الدار 000 وبعيدا عن قلعلة الكرك التي ضحت باكبادها لتحميه 000 وبعيدا عن منازل ( حمر النواظر ) من بني صخر الذين اووه في مضاربهم 000 وقبل ان يصل الى السلط التي كانت تنتظره 000 قبض عليه 000 ولسنا نعرف قيمة الثمن 00 ثلاثين من الفضة 00 او ثلاثين من الذهب 000 ولكن قاسم الاحمد سار الى المشنقة مرفوع الراس 00 مثل بقية الاحرار 0