ابشع ما في زمن السرعة هو السرعة . سرعة في المشي، سرعة في النوم، في الصحو، في الحب، في الكره، في العمل، في الامل، في الاكل . في البناء، في الهدم. الكل يريد ان يصل ولا يهم الى اين، ما تراه اليوم صحيحا تراه غدا قبيحا، وما يتراءى لك انه الجدار يتضح لك انه الضباب، لا شيء حقيقيا ملموس غير السراب.
تصحو سريعا لتلحق بالوقت.
تقود سيارتك سريعا لان هناك من يريد ان يسبقك، يزاحمك على فضاء الشارع واتساع الوقت، يلعن الاشارة الحمراء ويود لو يجرفك و يقتلعها، يخجل ان يقود سيارته بهدوء ولا يخجل ان يشتم من بجانبه ومن يتجاوزه وشرطي المرور.
اختفت "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة" من على خلفيات الباصات والتاكسيات والصهاريج، اصبحت من مخلفات الماضي وحلت محلها "ان كنت اشطر مني اسبقني" و"أنا الريح ما راح تسبقني استريح"!
ولنواكب سرعة الزمن صار لزاما ان نكون حضاريين سريعين، كلٌ موبايله في يمينه لا هو هنا ولا هو هناك، هواء في هواء في هراء . . ما ان نخرج من البيت حتى نتصل بالبيت، وما ان نصل مكان العمل حتى نتصل ايضا في البيت . وعلى باب مكان العمل نتصل بالمكتب لنبلغ اننا على بعد ثوان .ومن يكترث، فالكذب سيد الاخلاق، والاخلاق في خبر كان و «كان « فعل ماضِ وناقص أيضاً.
لسنا وحدنا من يسابق الزمن بهذه الطرق المشوهة لكننا -ربما- الوحيدون الذين نسرع لنتخلف ونركض الى الامام لنعود الى الخلف. ايضا ربما ليس ذنبنا. فالعالم يمر بمرحلة جنون سياسي وعسكري واخلاقي . ثمة من يدفع الارض لتدور سريعا على قرن واحد، دول تسقط برمشة عين، رؤساء يصبحون سجناء، حكام يصبحون مجرمين وسفاحين، وأناس احياء يصبحون امواتا كفرق حساب بين سياسيين.
صادق ذاك الذي قال: "اوقفوا هذه الارض اريد ان اهبط".
وبسبب سرعة الارض ومن يقودها الآن، اعني اميركا، لم يعد مضموناً ان تبقى حال على حالها حتى صباح الصباح . فها هي تغير رؤساء و تغير خرائط وتخترع داعش وتقيل علي صالح رئيسا و تعيده مقاتلا شرساً ضد شعبه ، تعادي طهران وتنام معها في ملف واحد ، تقاتل سوريا وتدعم المعارضة . تتعامل مع نظام سوريا بالباطن ..هكذا تتفتت الدول العربية ويتناثر الدم كما فرقعات البوشار في الطنجرة الاميركية.
ما الذي يجري ؟ وكيف تسير انظمة عربية الى المقصلة كمن يمشي وهو يحلم وهي تعلم انها أكلت يوم اُكل صدام وعرفات وحتى مبارك والقذافي ؟ كيف تتورط انظمة في تقسيم العراق وسوريا ليبيا حتى بات الوطن العربي كقطعة جبن سويسرية وهي تعلم ان سكين التقسيم قاب انفجارين او ادنى هنا وهناك؟
كم نحن بؤساء اكثر من بؤساء فيكتور هوغو ، كم نحن دونكيشوتيون اتفه من دونكيشوت، كم نهدم بيوتنا بايدينا وننتظر بيتا في عراء العالم يؤوينا؟!! الدستور