وصل الشبه بين الربيع العربي وفصل الربيع الاردني حدّ التماثل , فكلاهما خالٍ من ملمح الربيع وكلاهما غامض وملتبَس ولا يبدي ظاهره جوهره , فالخريف لم يخرج حسب الاجندة السنوية كما عادة السنوات السابقة وما زال ممسكا بتلابيب اللحظة , والربيع غير قادر على حسم وجوده والتباهي بإخضراره وطقسه الدافئ , وكذلك الربيع العربي الذي غافل الناس في فصل الخريف والشتاء معتديا على الطبيعة وقوانينها.
ولأن الطبيعة لا تقبل الاعتداء على نواميسها ولا يمكن فصل ما وصلته الطبيعة , جاء الربيع السياسي ممزوجا بالسواد وانعدام الامل وجاء الربيع الفصل هجينا بين الخريف والغبار والاخضرار , ولا يمكن الجزم بمسمّى الفصل السائد حاليا , فكل ظواهره تشي بأنه خليط من الخضرة والغبرة والبرد ورذاذ الشتاء مما انتج امراضا صدرية وتحسسات رئوية لا تتناسب وفصل الربيع بالمطلق , فالكوانين وحفلات الشواء معطلة رغم الاجازات الاسبوعية المتتالية وارتفاع منسوب الاختناق الشعبي من حشرة الشتاء.
التحسسات السياسية ايضا على اشدّها , فكل الساحات تعاني من احتقان وسعال مستمرين , فالهواء السياسي العليل يظهر وسرعان ما يختفي وفسحة الامل توشك ان تنطفئ , وكل ما اقترب ملف على الانتهاء يعاد فتحه من جديد , فالعبث الجامعي عاد بقوة وكأن مرحلة الشهيد معاذ الكساسبة قد غادرتنا , وكل احاديث الامان الاجتماعي والتوحد مجرد اطلالة خريفية على موسم ربيعي وليس ربيعا يعاني من بقايا الخريف.
يخرج المواطن من منزله صباحا بطقس ويعود اليه بطقس آخر او يقضي يوما ربيعيا يتلوه خريفا , فحتى الطقس سأم من تقلباتنا فدخل هو على خانة الانقلابات الحياتية رافضا التعايش مع ذاكرته الفصلية , كما رفضنا نحن احترام ثبات مجتمعنا واعتدينا على وجدانه وعقله , وكأن نبوءة الشاعر حاضرة حين قال : نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا , فالزمان اوالساعة الطبيعية انقلبت على ذاتها كما انقلبنا نحن على ساعتنا الوطنية , فصار الربيع خريفا والخريف ربيعا.
انقلاب الطقس يتماشى وانقلاب السياسة والساسة , فمن كان معارضا بالامس يمارس سطوة وسلطة بأقسى من سابقيه , ورخاوة المواقف وتداعياتها استفاد منها الطقس بأن رفض صرامة الطبيعة وقوانينها فمارس الطقس ربيعه كما يشاء دون ضوابط ودون التزام بقواعد اللعبة المناخية كما لم نلتزم نحن بقواعد اللعبة السياسية الوطنية ,فمارسنا كل اشكال الانقلابات الاجتماعية والسياسية , فلماذا ينضبط الطقس؟
الساعة البيولوجية مضبوطة على الساعة المناخية واي اختلال في الساعتين ينعكس على الانسان الذي بدأ الاعتداء على الطبيعة فمارست هي مقومتها واعلنت ثورتها , وعلينا العودة الى احترام الساعة البيولوجية حتى تقوم الطبيعة بضبط ساعتها على ساعتنا , واستمرار الحرائق واشتعال النيران وارتفاع النزق الوطني سيدفع الطبيعة الى البقاء في دائرة عدم الانضباط المناخي.
رحلتنا طويلة مع الساعة المناخية , وكل تأخير في ضبط الساعة الوطنية على توقيت المواطنة وقيمتها واحترام الانسان وحقوقه ستدفع الطبيعة الى مخالفة نواميسها والرد على تجاوزاتنا بالمثل ,وكلما اوغلنا في مخالفة الذات الوطنية والاعتداء على بعضنا البعض , فلن ترحمنا الطبيعة وستبقى على موقفها المنفلت مثل مواقفنا المنفلتة ولا مناص من القبول بمنطق الطبيعة وقوانينها , فلنحترم ذاتنا الانسانية والوطنية حتى تنسجم الطبيعة معنا وتحترمنا وتعود الى منطقها المألوف. الدستور