عفوا أيها السمك لإزعاجكم ، لا نريد أن نصطادكم ، فقط اسمحوا لنا فقط أن نجفف البحر ، ولتكن لكم حرية العيش كما تشاءون ، فالبحر يا أسماكنا أصبح يشكل عبئا هائلا على كواهلنا ، ومصدرا لتلوث اقتصادنا ، ومياهه المالحة تمخر عبابها سفن القادمين من هناك والراحلين من هنا ، دون إذن من عجوزنا ، أو دمعة وداع من أمنّا ، فها قد كسُرت زجاجة القلب ، واجتثت الذاكرة من عقول أهل الساحل الطيبين .يا أيها المرضى .. لا تصرخوا ألما .. لتحلموا بالعلاج ، فقد سبقناكم بالصراخ والعويل أملاّ ، علنا نجد لهذا المأزق انفراج .. ولكنها لعنة النعاج .. تطاردنا كما لو اننا بقايا فرُس أو "سكناج " .. فما عادت الحياة مطلبا ، في ظل هذا الرفاهية المفرطة ، فأنتم من قلة الحيلة والإفراط في الفراغ تمارسون هواية المرض .. فاعذرونا لا وقت لدينا للهوايات وممارسة شعائر الوجع ، ولأننا نحبكم ونحب أن تكونوا كما انتم دائما ، فإننا سمحنا لكم بالبقاء على الأسرّة البيضاء ، تمارسون رياضة الاعتصار والالتواء ، واسمحوا لنا ثانية ان نأخذ "السقف" من فوق رؤوسكم .. فأجمل ما في الحياة أن يلاقي المريض رب السماء ، وهو مستلق ٍ في العرّاء .. وجهه أسود كالح ، تأكل جسده سياط الشمس ، وعينيه بيضاء.. يا أيها الضاحكون من شدة البكاء .. أمضوا الى سبيلكم ، فما عاد شيء في هذه الأرض يستحق البقاء .. واتركوني بلا وجع رأس ، ولا همّ ، أقضي ليالي العمر مع حفنة من نساء وقوارير الليلة الحمراء.
يا أيها الفقراء .. صوموا تصحّوا .. وما المال إلا " وسخ يدين " فلا تقربوا المال أو تلمسوه .. ومن هنا ، من هذه الأرض البلقاء .. أعلن لكم عن مقاطعة القروش و" التعاريف " التي كنتم تحلمون بها ، فانضموا الى حملة مقاطعة الرغيف ، فالحكمة الشعبية تقول : إن أوجعك بطنك فأهنه ، وهل هناك إهانة أكثر من حرمان بطونكم من بقايا الرغيف .. فلو كان الرغيف له قيمه ، ما رمت به " الخادمة " من شرفة الفيلا ، لكم على الرصيف ، واعذروني ، فنحن نمد يدينا الى فتافيت الرغيف ، وعيوننا تلتهم جسد الخادمة .. والألسن تزغرد بتعبير " يااا لطيف "" .
أيتها العصافير طيري كيفما تشائين ، وغردي بما تحبين ، من ألحان "الهجيني والشروقي والتراويد والتلاحين "، واشربي من ماء السماء ، ولكن احذري ، فهذه الأرض محرمة عليك فلا تطئين.
أيتها الخيول ، سابقي الريح ، واصنعي أشرعة ، وجوبي أطراف " الديرة " فلن ننسى معروفا صنعتيه يوما لنا ، فكم ركبناك ، وكم طعّنا بالرماح إذ امتطيناك ، وكم قتلنا الشباب في ساعديك ، ولم نسمع منك بكاء ، ولم يتدارك الى مسامعنا شكواك ، فيا الله ما أحلاك .. ولكن اسمحي لنا ، بكل محبة واحترام ، أن نطوي هذا المضمار من تحت حوافرك الأصيلة .. فكما تعلمين بأن تقاليدنا تحتم على الفارس أن يصدع لأمر القبيلة .
يا أطفالي تعلمنا في المدارس إن أضلاع المثلث ثلاثة ، ولكن التطور قد طور هذا المثلث ، فأصبح تسع وتسعون ضلعا ، ما بها ضلع قاصر ، والمائة منها رأس الحربة ، كلها تسبّح بحمد التطور والتقدمية ، حتى أهداها التقدم تطورا ، فأصبح المثلث مربعا ، وأصبح المربع دائرة ، أولها سمسار وآخرها مسمار ، فأما أن تخنع أو تـُقلّع .. ولك حرية الإختيار يا أبني في أي أرض تحب أن يكون " المهجع " ؟ .
يا أولادي لا تنسوا .. إن هناك حوضا في بلادي ، يسمى " الديسي " .. لعنك الله يا إبليسي ، توسوس لي دوما بما يحزن ، .. يا أولادي تذكروا إن أبيكم لم يكن يمتلك قرشين هما أجرة الدونم في ذلك الحوض المنسي .. وعليه فقد ضاعت أحلامي في زراعة القمح والشعير ، وضاعت أحلامي في امتلاك سرير .. مجرد سرير ، في أرض عراء أملأها شخير ، فالشخير يا أولادي ينجب شخير ، والشخير الأبن سيكون يومها شيخ مشايخ المشاخير ، فهؤلاء يا أولادي هم تراثكم ، وهم ساداتكم ، وهم تقاليدكم ، وهم عاداتكم .. وبلدتهم تسمى " مناخير" .
يا أيها الأولاد الصغار ، احفظوا حكمة الكبار ، فالكبار يعرفون الكبار ، فكما يعُرف الجبان في المعركة ، فإن الذهب يعُرف بالنار ، سيأتي عليكم يوم ، نهاره ليل ما بعده نهار ، لا الشمس فيه تدرك القمر ، ولا الدماء حينها فيها احمرار ، دم ذلك اليوم أزرق ، وقد يكون "أشقرا " ولكن ليس فيه اصفرار ، وستكون حينها السواعد السمّر قد ذابت في "الانصهار " ، وستكون ذكرانا فقط سحابة يوم في أيار .. فلا تسفكون دموع بعضكم ، فدموعكم حرام عليكم ، فلا تجعلوها على الذكرى تراق ، وإلا فلتحجزوا مكانا في الطابور " الأونروي " وبأيديكم الأوراق ، لتشحذوا حفنة من طحين ، وستفضحوننا حينها أمام ذلك الطحين ، فهو أبن قمح الديسي المسكين ، الذي سرقته دفاتر الشركات كما سرق القرامطة الحجر الأسود من الكعبة المشرفة .
يا أولادي عليكم بالوطن .. لا تتركوه مرتهن ، للتاجر ، والمرابي ، والمستثمر المستتر ، الذي لا نعرف منه سوى إسم الإشارة .. التفوا حوله ، وموتوا على ترابه ، فأجدادكم أكلوا من لحم أكتافهم ولم يخونوا العهد أو يعلنوا الإضراب ، فأنا وانتم وكل من فوق التراب الى التراب .. واعذروني فأنا "ذاهب الى البحر كي أغني " ولتحملني سفن الذاهبين الى موزمبيق .
royal430@hotmail.com