الدور الروسي في "عالم متحوّل" .. (!)
د.زهير أبو فارس
23-04-2015 04:48 AM
بهدوء ورباطة جأش الواثق من نفسه كقائد للأمة الروسية، تحدث الرئيس بوتين في لقائه السنوي المباشر، أو ما يسمى بالخط الساخن، مع أبناء بلده حول كل ما يهمهم ويشغل بالهم، بدءً من الاجتماعي والمعاشي، مروراً بالأحوال الإقتصادية في ظل الحصار الغربي، وانتهاءً بالسياسة الدفاعية والأمنية لروسيا.
ومن خلال الإستعراض السريع للقاء الذي استمر لساعات متواصلة، يمكن الاشارة الى بعض المحطات والملاحظات التي تعكس أوضاع روسيا الحالة والطريق الذي ستسلكه في المرحلة القادمة.
في الشأن الداخلي، كان اهتمام الرئيس الروسي بالجانب الاجتماعي – المعاشي ملفتاً، حيث تطرق الى أدق التفاصيل، وتحديداً فيما يتعلق بقضايا التنمية الإقتصادية على مستوى المناطق والمجتمعات المحلية، كالاستثمار في المشاريع الصغيرة، والتحديات التي تواجهها، وبخاصة التمويل والتسويق، وصولاً الى الإكتفاء الذاتي في سلع الحاجات اليومية، والتي كانت قد تأثرت سلباً في مرحلة سيطرة النهج الإقتصادي الليبرالي، والذي أغرق البلاد بالسلع الأجنبية، ومن أوروبا وأمريكا تحديداً، معتبراً هذا القطاع الأقدر، في حال تفعيل طاقاته وامكاناته، ليساهم بدور حيوي للخروج من الأزمة. وهنا أشار بوتين الى الدور المحوري للسلطات والادارات المحلية في المناطق والأقاليم، وحمّلها المسؤولية الرئيسية في التفاعل المباشر مع مشاكل وهموم مجتمعاتها، وتحويل الصعوبات الى فرص.
صلابة موقف ملفتة ابداها الرئيس الروسي فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها الغرب على بلاده، وبمبادرة وضغط متواصل من قبل الولايات المتحدة، إثْرَ ما اعْتُبرَ (غربياً) تدخلاً روسياً في الأحداث الأوكرانية. وبهذا الصدد، أكد أن روسيا إحتوت صَدمة وتداعيات العقوبات الاقتصادية والمالية وابعادها الاجتماعية في مرحلتها الأولى (الأكثر خطورة وايلاماً بالنسبة للغالبية الساحقة من الروس)، وأن الخروج من الازمة قريب، وسيتم خلال العامين القادمين على أبعد تقرير، بشرط استمرار الوحدة والتضامن، التي ابداها الشعب، في مواجهة التحديات الوطنية لاضعاف روسيا، واشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، تمهيداً لتغيير النظام، ضمن وصفة «الثورات الملونة» المعروفة.
في الجانب الأمني والدفاعي، أظهر بوتين تصميماً عنيداً، لا تراجع عنه، في تعزيز قوة ومنعة روسيا العسكرية في الدفاع عن مصالحها الحيوية داخلياً وخارجياً. مشيراً، وبصراحة لا تقبل التأويل، الى أن روسيا لن تسمح أبداً بأي إضعاف لمكانتها ودورها ومصالحها الحيوية، ومضيفاً وبالحرف: «من يحاول اختبارنا .. ننصحه أن لا يُجَرّب..»(!).
باختصار، يمكن القول، بأن الصمود الروسي أمام العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب (الولايات المتحدة تحديداً)، « والنجاحات السياسية التي حققتها الدبلوماسية الروسية على مختلف المستويات الاقليمية والدولية، والمدعومة، بقوة، بعقيدة عسكرية مَهيبة،وادارة سياسية نابعة من وطنية روسية لا تعرف المهادنة على الكرامة عبر تاريخها الطويل.. كل ذلك وغيره من عوامل ذات علاقة بقدرات وطاقات روسيا الجبارة، أدى، في المحصلة، الى تشكل «حالة لعالم يتحوّل» نحو تعدد القطبية. وهذا، بطبيعة الحال، ما ترفضه الولايات المتحدة، التي اعتبرت نفسها منتصرة في الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارسو، وتعمل بكل الوسائل للمحافظة على موازين القطب الأوحد الدولية.
ويقيناً أن ما يحدث من تغيرات جوهرية على الساحة الدولية، شكّلت الأرضية الصلبة التي اعطته القوة، ومنحته هدوء الواثق من نفسه، ونهجه، ومستقبل بلاده، واعتمد عليها زعيم روسيا بلا منازع، في لقائه الصريح مع شعبه، الذي أمطره بأكثر من ثلاثة ملايين سؤال وملاحظة عبر وسائل الاعلام الجماهيري، وبخاصة الالكترونية منها، حيث لا تزال ادارته منكبة على تصنيفها وتحليلها واتخاذ الاجراءات العملية بشأنها.
وأخيراً، فروسيا اليوم تخوض صراعاً عنيداً لتثبيت دورها ومكانتها، وبناء نظام عالمي جديد، قائم على الندّية والتعددية القطبية، واحترام مصالح الجميع، ضمن قيم ومبادئ العدالة الدولية، دونما هيمنة أو املاءات. لكن ما يهمنا الساعة، هو التداعيات والتأثيرات المحتلمة لما يجري في روسيا والعالم في مرحلة التحول هذه، على النظام العالمي القائم ومنطقتنا على وجه التحديد (!) الدستور
*رئيس المركز العربي للدراسات الروسية