حين يدرك الطبيب أن مريضه يكذب عليه ويتعامل مع مرضه بلا مبالاة واستخفاف قد يفقد حماسه للاستمرار بعلاجه لكنه ما أن ينظر الى قسَم أبوقراط المعلق على جدار عيادته حتى يعيد النظر ويقرر مواصلة الاحتمال.
والوطن العربي الآن يتعامل مع كل الجراح النازفة منه بلا مبالاة واستخفاف شديد فهو يكتب كما كان يكتب ويغني كما كان يُغني ويكذب تماما كما كان يكذب على نفسه أولا ومن ثم على طبيبه وذويه.
ولا أدري ما الذي يمكن أن يحدث للعربي أكثر مما يحدث الآن كي يصحو من سُباته ويعيد النظر في اولويات حياته، فهل لم يجد من يعلمه في طفولته أن لا قيمة لبيت حتى لو كان قصر تاج محل إذا كان عاجزا عن حمايته وألا معنى لكل ما يملك إذا كان أمنه وأمن أسرته وجيرانه وكل ذويه مهددا!
لعله أيضا لم يجد من يعلمه تلك الحكاية عن هولاكو ومن اقتنى عشرات الصناديق من الذهب ولم يبنِ بها سورا لمدينته، ما الذي يمكن أن يجري لأمّة في هذا الكوكب أكثر مما جرى لنا، عواصم تساقطت تباعا وتحولت الى اطلال، وآثار دُمّرت واستبيحت كي يبدو العربي كاذبا إذا قال ان عمر حضارته اكثر من ربع قرن!
ماذا ينتظر هذا الكائن الذي سلخ جلده وهو حيّ ولم تفلح كل هذه المشاهد من القيامة والجحيم في إيقاظه من غيبوبة إرادية قرر خلالها ان يعيش ليأكل وأن يقبل البقاء على قيد العيش وليس الحياة حتى لو كان ذلك على خازوق.
إن القط يستأسد إذا حوصر والعصفور يستنسر اذا هدد بيضه في العش، فلماذا يشيح هذا الكائن بوجهه عن سكين يشحذ امامه لذبحه ؟ ولماذا يواصل موعظته الخرقاء عن الذي يقع من السماء وتتلقاه الأرض!
أحيانا اشك في أن حبوبا تشبه حبوب منع الحمل أذيبت في الشاي والقهوة والحليب لكنها لمنع التحول، فقد حدث من قبل لأمة عجز تنابلتها عن طرد الذباب الذي يبيض في عيون اطفالهم، كما عجزوا عن صدّ غزاة يذبحون اطفالهم ويأسرون نساءهم ويستبيحون ما يملكون، ومن لا يصدق ما أقول عليه ان يجازف بشراء كتاب سعره اقل من سعر زجاجة عطر او كيلو من اللحم لمؤلفه ابن إياس الذي شاهد عن كثب ما هو اقسى من كل ما يمكن قوله الآن!
هل هو الفالج الذين نصحونا بألا نعالجه أم هو الانسحاب الطوعي من الحياة نحو بيوت كالجحور؟ الدستور