مفاهيم خاطئة حول الاحزاب والبرلمان
د. اسامة تليلان
21-04-2015 03:48 PM
في النظم السياسية التي تسند الى نظم برلمانية من غير المتصور ان نتحدث عن برلمان فاعل وقادر على توفير عناصر وشروط وركائز الحكومات البرلمانية والتداول السلمي بين كتلة الاغلبية والاقلية بدون احزاب سياسية برامجية تؤطر كل هذه التفاعلات تحت قبة البرلمان.
وبدون ذلك فإننا لا نتحدث عن برلمانات سياسية وتشريعية ورقابية تشكل العمود الفقري لبنية النظام السياسي التعددي، وانما عن برلمانات اجتماعية تمثل القوة التصويتية لمكونات المجتمع سواء كانت قبلية او دينية او غير ذلك من التقسيمات، وبدون تمثيل حقيقي لتوجهاتها.
ومن الصعب ايضا ان ننتقل باتجاهات تصويت الناخبين على اساس البرامج الواقعية بدون احزاب سياسية تتوفر فيها الظروف والشروط الموضوعية لبناء البرامج وتسويقها وطرحها على الناخبين، وبدون قوانين انتخاب تدعم فكرة التصويت للأحزاب وبرامجها.
وبدون ذلك، يصعب الحديث عن احزاب سياسية برامجية لا تستطيع ان تمثل داخل البرلمان اتجاهات الناخبين وتوجهاتهم. وبالتالي ستبقى مجرد كيانات بعيده عن ان تكون جزء من البرلمان او جزء من بنية النظام السياسي وتفاعلاته.
وهنا نعود مرة ثالثة للعلاقة الوطيدة بين قانون الانتخاب وبينة البرلمان ودوره في اطار النظام السياسي، وبين قانون الانتخاب وزيادة فرص الاحزاب في تغيير بنية البرلمان وجعلها قادرة للتحول نحو الحكومات البرلمانية، وبين دوره وزيادة فرص التماسك والاندماج والانتقال بالتنافس في الانتخابات على اساس المصالح السياسية والاقتصادية بدل ان يكون التنافس على اسس المناطقية والجهوية.
ولذلك كلما امعنت قوانين الانتخاب في الاعتماد على تمثيل التشكيلات الديمغرافية كلما زاد مع مرور الوقت فئة المهمشين وقلت فرص التماسك والاندماج والاستقرار وقلت الفرص امام تشكيل برلمان تعددي كتلوي يزيد من حيوية وفعالية النظام السياسي.
وكلما ركزت قوانين الانتخاب على الكتل البرامجية الحزبية كلما قلت فئة المهمشين وزادت فرص التماسك وقاعدة المشاركين في العملية السياسية وصنع القرار، وزادت الفرص في الوصول الى برلمان يستند الى كتل مستقرة قادرة على تبادل ثنائية الادوار بين كتلة الاغلبية والاقلية.
ثم ان هناك خطورة بالغة في الاستمرار بالارتكاز في قانون الانتخاب على البعد الاجتماعي أكثر من البعد البرامجي لأنها في الأول تؤطر التنافس الانتخابي على اساس مناطقي وجهوي وتغذي الشعور بالهوية الضيقة على حساب الهوية الوطنية، وفي ظروف معينة يصبح هذا الشعور مصدرا للاستقطاب الحاد في المجتمع.
بينما في الثاني تعزز نمو الشعور بالهوية الوطنية الجامعة والمشتركة وتعزز فرص الاندماج المجتمعي وتؤطر التنافس على اساس البرامج والمصالح الاقتصادية والسياسية بكل ما يتيحه ذلك من فرص للتطور.
قانون الانتخاب من القوانين المهمة ويشكل القاطرة التي تجر خلفها فرص تحديث كل الركائز والابنية والمؤسسات التي يستند اليها النظام السياسي وفي مقدمتها البرلمان والاحزاب. فضلا عن هذا القانون يحمل في طياته وظيفة بنائية في غاية الاهمية تؤثر بشكل عميق في تركيبة البنية الثقافية للمجتمع واتجاهاته العامة، وتحدد الى حد كبير المسارات الداعمة لتعزيز الهويات الفرعية او للهوية الوطنية الجامعة وتحدد كذلك الى حد كبير طبيعة الاسس التي يقوم عليها التنافس على الصالح العام.