الإسلام يحتاج إلى من يخدمه بجهده وفكره وإخلاصه وحسن فهمه، وليس بالاقتصار على رفع شعاره، بمعنى أن مبادئ الإسلام وقواعده ومنظومته القيمية تحتاج إلى تطبيق وتمثل ؛عبر برامج وأعمال وافعال منظورة على ارض الواقع من قبل الناس والأشخاص الذين يؤمنون بها إيمانا عميقاً وراسخاً، فيجعلونها دائمة الصلة بواقع الحياة من خلال القدرة على تقديم الأدوات والوسائل والأساليب والانجازات التي تناسب التغيرات المتتالية والهائلة التي تلحق بالمجتمع، بسبب تطور الخبرة البشرية واتساع نظام المعرفة والزيادة المضطردة في حجم المعلومات الكبير.
شتان بين من يخدم الإسلام بحسن تمثل مبادئه وقيمه وتطبيق قواعده، وإمتلاكه الفهم العميق لمقاصده، وبين من يستخدم الإسلام وشعاراته لخدمة شخصه وتحقيق مصالحه الضيقة، بمعنى هناك فرق كبير بين من يحمل الإسلام روحاً وجوهراً، وبين من يستثمر فيه على جهل وقلة فهم، بطريقة تسيئ إلى الإسلام وتشوه انجاز المسلمين عبر التاريخ.
الإسلام عبارة عن مجموعة مبادئ وقواعد ومنظومة قيم، توجه العقل الإنساني نحو التفكير السليم، وتكسب من يحمله القدرة على التعامل مع موجودات الكون في كل مجالات الحياة بكفاءة، ويتفاوت الناس بالفهم، كما يتفاوتون بالقدرة على التطبيق، فينتج عن ذلك تفاوت واضح في الإنجاز والإنتاج بين انسان وآخر، وبين مجموعة واخرى وبين مكان ومكان، وزمان وزمان، ويعود هذا التفاوت إلى مدى نجاح الأفراد والمجموعات في تمثل هذه المبادئ والفهم، ومدى القدرة المكتسبه على تحويلها إلى برامج عمل وإنجازات مادية ملموسه.
الإنجاز الحضاري الذي تحققه المجموعات والأفراد فرادى و مجتمعين، يعد ثمرة من ثمرات تفاعلهم مع مبادئهم، وما يؤمنون به من قيم، وليس هو الإسلام عينه، فقد ينجح بعض المسلمين في مكان وقد يفشل بعضهم في مكان اخر، وقد يحقق بعضهم نجاحاً في مرحلة زمنية، ويفشل أخرون في زمن اخر، ويعود النجاح والفشل للأشخاص والمجموعات نفسها، ولا ينسب إلى الإسلام نفسه ونظريته وقيمه.
لقد حاول المسلمون عبر تاريخهم الطويل تمثل نظريات الإسلام ومبادئه وقواعده ومنظومته القيمية، واقتربوا من هذا النموذج في العصر الراشدي، تم تفاوت هذا التمثل وتباين كثيراً في العصور المتتالية، مثل العصر الأموي والعصر العباسي، والأيوبي والمملوكي والعثماني، وكلها تعد تجارب عملية للمسلمين، ولكنها ليست هي الإسلام ذاته، لأن البشر يعتريهم النقص والقصور، ويصيبهم الضعف، ويخطئون ويصيبون، وينتصرون وينهزمون وينجحون ويفشلون، بحسب ما تتهيأ لهم الأسباب، وبحسب امتلاكهم لأدوات النصر والإنجاز الحضاري وتنطبق عليهم سنن الكون، كما تنطبق على غيرهم دون تمييز أو محاباة.
كل من يحاول خدمة الإسلام ينبغي أن لا ينسب عمله إلى الإسلام وأن لا يلحق به وصف «إسلامي» بل يجب أن ينسبه إلى نفسه، لانه قد يخطىء وقد يصيب في اجتهاده، وان ما قام به مجرد اجتهاد وتطبيق لفهمه هو لمبادىء الإسلام وقيمه، ولا يستطيع أحد في الكون أن يعتبر فهمه هو المعيار لكل الأفهام والعقول التي ستختلف حتما في الفهم أو في التطبيق وفي تمثل النموذج الإسلامي.
يجب أن تتوافق أمة الإسلام بكل شعوبها ومكوناتها وشرائحها وقومياتها ومذاهبها وأحزابها وجماعاتها، أن الإسلام إطار حضاري قيمي لها جميعاً بلا استثناء، وليس هناك وكيل حصري للاسلام، ولا يحق لأحد أو مجموعة أو فئة أن تنّصب نفسها ناطقاً باسم الإسلام أو وصياً عليه، لأن الله جعل الوصاية على الدين لكل الأمة ،ولكل العقلاء المكلفين فيها، فليس هناك رجال دين أو حفظة أسرار وطلاسم يحتكرون المعرفة الدينية، ولكن لكل واحد أن يبذل جهده لان يفهم ويتفقه في الدين ويدرس ويجتهد، وله أن يعبّر عن رأيه وفهمه بحرية، ولا يملك سلطة اجبار أحد على فهمه، ولا يملك حق إكراه أحد على رأيه واجتهاده.
خدمة الدين تكون بحسن الفهم وحسن الفقه وحسن العمل ، وحسن القول وحسن الخلق وحسن التعامل، وحسن التبشير وحسن الخطاب، ولا يتم ذلك إلّا بالتواضع وخفض الجناح للمؤمنين، والبعد عن كل درجات الكبر والتعالي على الخلق، والبعد عن كل أساليب الاتهام والتشويه واللهمز واللمز والسخرية للمخالف والبعد عن غلاظة القول وفظاظة الفعل وسواد القلب.
«وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» صدق الله العظيم. الدستور