.. وماذا عن ضحايا المخدرات "الدينية"؟
حسين الرواشدة
20-04-2015 03:16 AM
يمنح الشباب الذين يتعاطون المخدرات لاول مرة (بوجب القانون) فرصة للتوبة، وحتى حينما يتم القبض عليهم بتهمة التعاطي مرة اخرى ، فانهم يودعون في مراكز لمعالجة المدمنين، باعتبارهم مرضى بحاجة الى معالجة، لا مجرد مجرمين يجب معاقبتهم.
من باب الانصاف، لماذا لا نتعامل مع الشباب الذين يتعاطون “المخدرات الدينية” على هذه المسطرة، انا آسف بالطبع لاستخدام هذا المصطلح رغم انني مع من يرون ان الدين يمكن ان يكون باعثا للنهضة ومحركا للعقل كما يمكن ان يكون افيونا للشعوب، لكنني للمقارنة فقط اعتقد ان هؤلاء الشباب الذين اودعناهم في السجون بتهمة التطرف بحاجة الى المعاملة “بالمثل”، ليس فقط لان الخطر الذي يمثلونه اقل ربما من خطر اولئك الذين ادمنوا على عقاقير المخدرات المحرمة شرعا وقانونا، وانما ايضا لانهم مثلهم ضحايا لمجتمع قصّر في رعايتهم وتوجييهم، ولظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية افرزت منهم اسوأ ما فيهم ، واذا كان علاج اولئك الذين ضلت اقدامهم الى طريق الادمان “بالحبوب” والابر يحتاج الى خبراء في علوم الطب والنفس والى الصبر ايضا فان علاج هؤلاء يحتاج الى خبراء في علوم الدين والنفس والى مزيد من الصبر والاستيعاب ايضا.
لدينا الآن اكثر من (200) شاب في السجون بتهمة التطرف، تتراوح اعمارهم ما بين (20-35) عاما، ليس لدي اية تفاصيل عن التهم التي اسندت اليهم، ولم نسمع من المركز الوطني لحقوق الانسان او غيره من المؤسسات التي تعمل في هذا المجال عن تقارير حولهم، كما لا اعرف فيما اذا كانوا محكومين او موقوفين، لكن لدي معلومات بان لجنة شكلت من بعض اساتذة الشريعة لمحاورتهم ، وقد بدأت بالفعل باجراء “مراجعات” فكرية معهم، ويمكن ان تسفر هذه المراجعات عن نتائج تحفزهم للعودة الى المجتمع ، وتمنحهم فرصا جديدة للعمل او للدراسة اذا ما قرروا العودة عن افكارهم المتطرفة.
حسنا، اذا كنا جادين في مواجهة التطرف لا ملاحقة المتطرفين فقط ، ولدينا نحو “7” آلاف شخص يتعاطفون مع التنظيمات المحسوبة عليه ( بحسب احصائيات وزارة الداخلية) وربما اكثر من ذلك، فهل يمكن ان نودع هؤلاء كلهم في السجون..؟ واذا اودعنا بعضهم من باب معاقبتهم فهل السجن هو المكان المناسب لاصلاحهم ومعالجتهم، ثم هل جميع المتطرفين بنفس الدرجة من التطرف ام يمكن تصنيفهم الى درجات، واذا ما قررنا انهم لا يختلفون، لا في النوع ولا في الدرجة، فهل تجميعهم في مكان واحد يمنحهم فرصة للمراجعة والتوبة ام يساعدهم على تبادل الخبرات فيما بينهم ويؤصل التطرف داخلهم، واذا كان صحيحا ان مجتمعنا “منتج” للتطرف فهل وضعنا بعين الاعتبار انه لم يتحول بعد الى “حاضنة” له ، وبالتالي كيف يمكن ان نحافظ على حالة “الرفض” الاجتماعي هذه: بايداع المتطرفين بالسجون ام بمعالجة البيئات التي خرجوا منها ومواجهة الاسباب التي دفعتهم لذلك..؟
هذه مجرد عينة من الاسئلة التي يمكن ان نطرحها ، لكن استأذن هنا بالاشارة الى ملاحظتين : الاولى ان اختزال تهمة التطرف بالمحسوبين على الفكر الديني فقط خطأ يحتاج الى مراجعة ، ذلك ان بيننا متطرفين اشد خطرا من هؤلاء، لا اتحدث هنا عن تجار المخدرات او المتعاطين لها، وانما عن اصحاب “الكار” الفكري والسياسي ، هؤلاء الذين شطحوا في مواقفهم فايدوا الانظمة التي تقتل شعوبها، او الذين يعلنون جهارا انهم ضد الدين ولا يترددون بالاساءة اليه وحرق مشاعر المؤمنين به، او الذين يمارسون الرذيلة في شوارعنا ، اليس هؤلاء متطرفون ايضا ويجب محاسبتهم او معالجتهم تماما كما نفعل مع الشباب الذين ضلت اقدامهم الى فهم مغشوش للدين، اما الملاحظة الثانية فتتعلق بالمرجعيات الفكرية التي يستند اليها الشباب المتطرفون ويستقون منها افكارهم ، هذه المرجعيات لم نسمع ان احدا حاورهم او دخل معهم في مراجعات جادة، كما انهم ما زالوا طليقين يمارسون اعمالهم كالمعتاد، بل ويحظون احيانا باهتمام الاعلام، اليس الاولى ان نذهب الى هؤلاء لكي نحاسبهم او نعالجهم ايضا..؟
لدي ملاحظة اخيرة وهي انني اخشى - بحكم ما لدينا ولدى غيرنا من تجارب- ان نقع في “فخ” تفريخ متطرفين جدد، ذلك ان التكفير الديني لم يخرج علينا من الكتب الصفراء فقط وانما من داخل السجون ايضا، وهنا يمكن ان نتساءل عن امكانية وجود عقوبة بديلة للسجن ( للفقهاء اراء معتبرة في ذلك) وعن ضرورة تخصيص اماكن “ايواء” للمتهمين بالتطرف ( اسوة بمراكز معالجة المدمنين او المرضى النفسيين)، وهذا بالطبع يعتمد على رغبتنا في تشخيص حالة التطرف : هل هي جريمة ام مرض، وهل المتورطون فيها ضحايا يجب اصلاحهم ام مجرمون لا بد من معاقبتهم ، وهي اسئلة معلقة اعتقد اننا لم نجب عليها بصراحة حتى الان. الدستور