منسف أردني وبامية سودانية
هاني العزيزي
16-03-2007 02:00 AM
أحب المنسف ونسفه كمعظم بني وطني ، وأراه مناسبا للإفطار والغداء والعشاء بل والسحور أيضا ، ولو قدّر أن تكون جميع وجبات طعامي مناسف بقية العمر لوافقت دون تردد ، خاصة إن كان من مستوى مناسف أخوة وأصدقاء وزملاء في سلطنة عمان الشقيقة ، فقد تناولت عشرات من المناسف الأردنية الشهية خلال إقامتي الطويلة على أرضها ، وتراوحت الدعوات بين غداء وعشاء . كان المتزوجون يدعون العزاب – ومن في حكمهم – لتناول وجبة طيبة ، تسبقها وتتبعها أحاديث وحكايات ومساجلات ، إضافة لما يعدّه العزاب بأنفسهم وما برعوا فيه . وتفنن الداعون في اختيار اللحم من سوق تحفل بجميع الصنوف ، ووقع اختيار معظم الأخوة على أيدي الخراف ، واستبعدوا لحم البطن لكثرة الدهن فيه ، أما الجميد فهو من ضمن ما يحمله الأردني أو يوصله له زائر أو قادم جديد إلى السلطنة ، إضافة إلى كم كبير من الصنوبر واللوز . وأجزم أنني لم أتناول مناسف أشهى وألذ مما تناولته على موائد كرم الأخوة هناك .
وفي يوم من الأيام أولم أحد الأخوة ووجّه الدعوة إلى أشقاء أعزاء من السودان الشقيق لتناول طعام الغداء ، وتطلعت إلى اليوم الموعود بشوق تدفعني إليه شهيتي المتفتحة على الدوام لتناول منسف تتقن فيه سيدة البيت صنعه ، وشوقى لرؤية الأخوة السودانيين وهم يتمتعون بتناول المنسف الأردني الشهير . لبى الجميع الدعوة ، وأحضر " المعزب " المناسف ، في حلتها ، كاملة الأوصاف والإضافات ، وتحولت بنظري إلى الأخوة السودانيين لأسجل نظرات الإعجاب للمنسف ، فوجدت وجوها بدون أي تعابير على الإطلاق . امتدت أيدي " المعزب " والأيدي الأردنية تمزق اللحم الذي اشبع طهيا وإنضاجا ، وتفتته وتوزعه ، وامتدت الأيدي السودانية تتناول بحياء بعضا من الأرز الناشف من أطراف المنسف ، وظننا أن خجل الأخوة دفعهم إلى عدم المشاركة بالهجوم الكاسح ، واعتذر كبيرهم بأنه والأخوة قد نسوا الدعوة وتناولوا الغداء ، وعليه لن يستطيعوا تناولوا الغداء مرتين ، ومرت الدعوة كغيرها كالمعتاد .
تبين لي فيما بعد أن السودانيين يوم الدعوة إياها قد تصرفوا بكياسة ، فهم لا يحبون أو يتناولون أي طعام يشبه المنسف . وقوبلت المعلومة بتساؤل واستغراب : إن كان السودانيون لا يحبون صنفا شهيا كالمنسف ، فماذا يأكلون ؟ . وسنحت الفرصة في يوم ما ، فطلبت من أخ سوداني أن يدعونا على صنف مما يحبه السودانيون ، وحلّ يوم الدعوة الموعودة .. وكان ما قدمه " المعزب " السوداني بامية مجففة سحقت قبل طبخها ، وأضيفت لها موادا أخرى . ورغم أنني من محبي البامية إلا أنها أعدّت بطريق لا أحبها ، واكتفيت بتناول بعضا مما قدم إلى جانب البامية الشهيرة ، وكان طبقا من الفول المدمس !! وتساءل " المعزب " عن عدم تناولي للبامية فتعللت بأن لدي نوعا من الحساسية النادرة للبامية . وأعتقد أن صاحبنا أدرك بذكائه نوع الحساسية التي زعمت !! .
خرجت بتجربتي مع المنسف والبامية التي تلته أن ما أراه شهيا يراه غيري غير شهي ، وما يراه فلان عظيما ، يراه علان ضئيلا ، وقالوا : كل ما يعجبك وإلبس ما يعجب الناس . هي قضية أذواق وعادات غذائية لا دخل للرموز الوطنية فيها لا من قريب ولا من بعيد ، لأن الرموز الوطنية لأي دولة هي شعارها وعلمها ونشيدها الوطني ، ويبقى الإنسان بداية من رأس الهرم وانتهاء برضيع ولد من دقائق هو أهم ما في الوطن .
haniazizi@yahoo.com