هل أخطأ العرب بحق ثورة الخميني؟
د. عصام صيام
20-04-2015 02:37 AM
أحدث قيام الثورة الإسلامية بإيران في عام 1979 التي قادها آية الله الخميني منعطفا حادا وخطيرا في العلاقات العربية الإيرانية، وقد صقل هذا المنعطف ولا يزال العديد من التطورات والأحداث بمنطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم أن ثورة الخميني أطاحت الديكتاتور شاه إيران، وحررت الشعب الإيراني من ظلم الشاه، واستئثاره بالسلطة، ونهبه لثروات البلاد، عدا تعديه على كل ما له علاقة بالإسلام، ومحاولة طمس معالم الثقافة الإسلامية في القوانين والحياة اليومية، إلا أن الدول العربية نظرت بعين من الشك والريبة تجاه ثورة الخميني، ورأت فيها محاولة لتصدير المذهب الشيعي للجماهير السنية.
الإخوان المسلمون أيضا ساهموا في الحشد المذهبي في ذلك الوقت، ويذكر كاتب هذه السطور أن الإخوان في فلسطين قبل إنشاء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وقفوا بالمرصاد لحركة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران، ومن القائد الثاني بمنظمة التحرير الشهيد خليل الوزير حتى وصل الحد الى اعتداءات دموية داخل مساجد غزة.
ذريعة الاخوان تمثلت في أن حركة الجهاد يسعون إلى نشر التشيع، وان "ثورة الخميني ليست من الإسلام في شيء، لأن مبدأ الثورة ليس موجودا في الإسلام"، ولعل حملة الإخوان على حركة الجهاد التي أنشئت في عام 1985 واتهامها بنشر المذهب الشيعي هي من ساهم في قلة شعبيتها على الرغم من أن الحركة سبقت حماس في الكفاح المسلح ضد إسرائيل بتسع سنوات.
وعلى الرغم أن الخميني سارع في إغلاق سفارة إسرائيل بطهران بعد عودته من باريس، وفتحه سفارة لمنظمة التحرير، منهيا بذلك أكثر من ثلاثين عاما من التحالف الإسرائيلي الإيراني؛ حيث كانت إيران الممول الأول للنفط الإسرائيلي خلال حربي 67 و 73، إلا أن العرب أصروا على النظر إلى ثورة الخميني من منظار مذهبي بحت وضيق.
ولعل هذه النظرة هي التي دعت الدول العربية إلى تحريض الراحل صدام حسين إلى إلغاء اتفاقية الجزائر لعام 1975 في عام 1980، واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه العراقية الإقليمية، ومن ثم إعلان الحرب على إيران في العام نفسه؛ حيث استمرت تسع سنوات، وكانت أطول حرب إقليمية في القرن العشرين وأكثرها دموية؛ حيث راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل؛ وبلغت تكلفتها اكثر من 400 مليار دولار أمريكي.
كانت الولايات المتحدة وإسرائيل الطرفين الأكثر منفعة وتربحا من استمرار الحرب الملعونة، وهنا أسرد ما جاء في مذكرات وزير العدل في إدارة رونالد ريغان رمزي كلارك عندما دخل الأخير على ريغان يشكو له من فظاعة ودموية المشاهد في هذه الحرب ان ريغان ضحك بصوت عال وقال له: "وما المشكلة في ذلك. دع هؤلاء الأوغاد يقتلون بعضهم بعضا".
إذا هو التفكير العربي النمطي، والأحكام المسبقة التي أصدرها النظام العربي باستثناء سورية وليبيا والجزائر على الثورة الإيرانية مما حال دون قيام تحالف عربي إيراني ضد العدو الأول للامة العربية، إسرائيل وهو من حرم القضية الفلسطينية من ورقة ضغط على إسرائيل كان بإمكانها أن تغير من الكثير من موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي.
المؤسف في هذا السياق أن الكثير من الدول العربية اعتبرت أن عداءها لإيران يسبق عداءها "العلني" لإسرائيل، ومن هذا المنطلق جاء الهاجس العربي غير المبرر، وغير المنطقي من مشروع المفاعل الإيراني النووي الذي بدا في نظر العرب موجها ضدهم، علما انه لم يسجل إلا اعتراضا عربيا "خجولا" في المحافل الدولية ضد المفاعل النووي الإسرائيلي، بدليل رضوخ غالبية الدول العربية بما فيها سورية للضغوطات الأمريكية بالتوقيع على معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية على الرغم من امتلاك إسرائيل لأكثر من سبعة مفاعل أهمها مفاعل ديمونا في جنوب فلسطين التي تبلغ طاقته 24 ميغاوط، ورفضها حتى اللحظة الانضمام للمعاهدة أو حتى إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية.
من البديهي أن لإسرائيل ولحلفائها في الغرب المصلحة الأولى في إحداث هذا الشرخ الكبير بين العرب وإيران عبر تجييش السجال المذهبي بين السنة والشيعة، وإغراق الطرفين في نزاعات دموية قادرة على استنزاف قدرات وطاقات الجانبين، وتوفير أقصى حد من الأمن لإسرائيل من دون أن تقدم أي تنازلات تذكر.
لا نحتاج هنا لتذكير السادة القراء أن إسرائيل استطاعت ومنذ الحرب العراقية الإيرانية انتزاع تنازلات عربية وفلسطينية مجانية بدءا بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، والاعتراف بالقرار الأممي سيئ الصيت والسمعة 242، ناهيك عن اتفاقيات أوسلو وما تضمنتها من تنسيق أمني مخز ومبادرة السلام العربية في بيروت لعام 2002، بالإضافة الى قيام علاقات سرية بين إسرائيل ومعظم الدول العربية تحت غطاء مقاومة "إيران النووية".
تحفظاتنا على الموقف الرسمي العربي من الثورة الإيرانية لا تلغي أبدا انتقادنا للكثير من المواقف السلبية لإيران سيما تدخلها في الشؤون الداخلية لأكثر من بلد عربي بحجة الدفاع عن الطائفة الشيعية، وأعتقد أن انعدام الثقة بين الطرفين، والموقف السلبي العربي من الثورة هو الذي أدى بنا إلى هذه المآلات الكارثية.
العداء العربي الإيراني عداء مصطنع، وهو منتج غربي صهيوني لإلهاء العرب والمسلمين عن العدو الرئيسي بل والوحيد، إسرائيل، فهي التي اغتصبت ارضنا، ولا تزال تحتل أراضي لثلاث دول عربية، وشردت شعبنا الفلسطيني، ودنست أقصانا وحولتنا من أمة قال الله فيها: " كنتم خير أمه أخرجت للناس"، إلى أمة أصبحت تمتهن الذل والهوان. من فعل هذا هي إسرائيل وليست إيران. العرب اليوم