منذ تكليف الرئيس الاسرائيلي روبين ريفلين, بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود الذي حاز على 30 مقعداً في انتخابات السابع عشر من اذار الماضي, فإن الرجل الذي دخل تاريخ اسرائيل منذ قيامها على انقاض الشعب والارض الفلسطينية, كأول سياسي شكّل اربع حكومات, لا يبدو قادراً (حتى الان) على تشكيل ائتلاف منسجم وطويل الأمد, لا يضطره للذهاب الى انتخابات مبكرة «جديدة», الامر الذي لا يرى فيه كثيرون امكانية لبقاء الخريطة الحزبية الراهنة, التي اصابتها هزة غير مسبوقة, إن لجهة التقدم الذي سجله الليكود, بعد ان كان حل في المرتبة الثانية في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة (بعد ان خاض الانتخابات في قائمة انتخابية واحدة مع حزب اسرائيل بيتنا حملت اسم الليكود–بيتنا) واستمر بتسعة عشر مقعداً بعد انسحاب ليبرمان من تحالفه معه.
أم لجهة التراجع الذي سجّلته القوائم اليمينية المرشّحة للتحالف معه, في عدد المقاعد التي حصلت عليها مثل نفتالي بينيت (البيت اليهودي) وافيغدور ليبرمان (اسرائيل بيتنا), ناهيك عن «الصدمة» التي اصيب بها الحزبيون والساسة الاسرائيليون كافة, بعد أن حصدت القائمة العربية المشتركة ثلاثة عشر مقعداً, بزيادة مقعدين عما كانت حصلت عليه القوائم الاربع إياها.. منفردة, حيث تحالفت لأول مرة منذ النكبة الفلسطينية ودوران عملية الانتخابات الصهيونية في 25/1/1949 (الكنيست الاولى), بعد أن نجح اقتراح ليبرمان برفع نسبة الحسم كي تصبح 25ر3%, ظناً منه انه بذلك «يشطب» التمثيل العربي في الكنيست, على قاعدة توهمه بأن واحدة من القوائم العربية المعروفة غير قادرة على اجتياز هذه النسبة, باستثناء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش), لكن فلسطينيي 48 انتصروا على انفسهم وخاضوا تجربة مثيرة وباعثة على الاعتزاز والثقة... فلسطينياً وعربياً..
ما علينا..
يوشك نتنياهو على استنفاد مهلته الاولى (يُمنح 28 يوماً كي يشكّل حكومته العتيدة تضاف لها 14 يوماً كمهلة أخيرة, اذا استنفد الاولى), ما يعكس فشلاً في إقامة إئتلاف منسجم ومتماسك مقابل للاستمرار, لاسباب قد تكون شخصية (حيث يرشح أن العلاقات بينه وكل من نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان يعتريها العطب), أو لها صلة بمطالب الاحزاب المرشحة للائتلاف معه, وهي في أي حال احزاب يمينية متطرّفة مثل البيت اليهودي واسرائيل بيتنا واخرى حريدية (دينية متطرفة) مثل شاس ويهدوت هاتوراة, إضافة بالطبع الى «جوكر» الانتخابات الاخيرة وهو موشيه كحلون ابن الليكود «المطرود», الذي خاض انتخابات الكنيست الاخيرة بقائمة حملت اسم كولانا (كُلّنا) وحصل على عشرة مقاعد هي التي رجّحت كفة نتنياهو كي يُكلّف تشكيل حكومة جديدة, بعد ان سمّاه لدى ريفلين (كحلون سيتولى وزارة المالية).
وإذ معروف عن نتنياهو انه يُتقن المناورة ويُجيد إخفاء اوراقه الى آخر لحظة، فقد لجأ الى تسريب أنباء على لقاء «سرّي» عقده مع اسحق هيرتسوغ رئيس حزب العمل او لنقل رئيس تحالف المعسكر الصهيوني الذي جَمَعَهُ مع تسيبي ليفني، لتحقيق هدفين، الاول اثارة أجواء من عدم الثقة والشكوك داخل صفوف حزب العمل, وبخاصة ان هيرتسوغ وليفني هما اللذان رفعا شعار (فقط ليس بيبي) وهو ما نجح فيه نتنياهو بالفعل جراء ردود الفعل الصاخبة من بعض قادة حزب العمل, الذين هدّدوا بالانشقاق إذا ما تمت مشاركة العمل مع الليكود في حكومة وحدة وطنية, أم (وهذا هو الهدف الثاني لنتنياهو) إرسال رسالة للاحزاب اليمينية والحريدية, بأن لديه هامش مناورة وان عليهم تخفيض مطالبهم والتراجع عن اخرى.
اين من هنا؟
ثمة في الصحافة الاسرائيلية, من يضغط على هيرتسوغ للانخراط في خيار حكومة الوحدة الوطنية, تحت ذرائع ومخاوف من الاوضاع الخطيرة والمتلاحقة في المنطقة التي لا تعرف الهدوء او يمكن التنبؤ باتجاهاتها, واخرى نتيجة العلاقات المتوترة مع ادارة اوباما والاحتمالات الماثلة للتوقيع على الاتفاق النهائي بشأن البرنامج النووي الايراني, ناهيك عن العزلة السياسية والدبلوماسية التي تحيط باسرائيل, والتي يمكن كسرها إذا ما أُسندت حقيبة الخارجية لشخصية مقبولة دوليا مثل... هيرتسوغ.
ماذا في المقلب الاخر؟
نيفتالي بينيت المُستوطن وزعيم حزب البيت اليهودي كان موعودا من نتنياهو بتسلم حقيبة الدفاع, لكن نتنياهو تراجع–حتى الان–ويُسرّب مقربوه ان سيُبقيها في يد موشيه يعالون، بينما ليبرمان يُطالب بالدفاع ويُهدّد بانه سينتقل الى مقاعد المعارضة, وفي حال اسندت اليه الخارجية فإنه سيقبلها بشروط، أما الاحزاب الدينية (شاس ويهودات هاتوراه) فهي معنية بالمال والمال فقط, رغم حرص أرئيه درعي فرض الهيمنة على وزارة الداخلية (كان تسلمها سابقا قبل ان يُسجن بتهمة الفساد وسوء استخدام السلطة) إضافة بالطبع الى الخلافات المُستحكمة بين «الحلفاء» المُفترضين في اليمين حول قوانين التهويد والتجنيد وفصل الدين عن الدولة ومشروعات القوانين المطروحة على الكنيست مثل قانون القومية.
هل يطلب نتنياهو مهلته الثانية والاخيرة؟
الاحتمال اكثر من وارد وإن كان لم يحسم بعد خياراته قبل استنفاد المهلة الاولى (تنتهي في 25 الجاري). الرأي