من المعروف والمشهود أن القوات المسلحة الأردنية لعبت خلال عقد مضى وحتى اليوم دوراً كبيراً ومهماً في الحفاظ على أمن واستقرار حدودنا الشمالية والشرقية، ليس لمصلحة الأردن فقط بل ولمصلحة دول الجوار، وبعد نهوض قوى المقاومة للاحتلال الأمريكي في العراق، وتشكل قوة تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة في غرب العراق مستغلة مشاعر الكراهية للقوات الغازية لعب الأردن باحترافية عالية لتحييد مناطق الأنبار والرطبة تحديدا، من خلال عمليات استخبارية ولوجستية واستقطاب شعبي لعشائر غرب العراق وإقامة مستشفى عسكري ميداني في الفلوجة، ما نتج عنه تأمين الحدود مع العراق لفترة ناهزت العشر سنوات.
اليوم بدأ الخطر يمد عنقه من تلك الثغور الملتهبة، وهناك ثغرات خطيرة عبر الحدود السورية من الممكن أن تستغلها التنظيمات المتطرفة، ولهذا قامت العشائر في جنوب سوريا بإقامة حلف عشائري في تشرين الأول من العام المنصرم يمتد من محافظة القنيطرة مرورا بدرعا وحتى السويداء حيث تحالفوا مع قوات الجيش الحر، كونه القوة الأكثر اعتدالا في الصراع السوري، واستطاع الحلف منع سقوط المناطق الجنوبية لسوريا ومؤسساتها في أيدي التنظيمات الإرهابية، وهذا وإن كان في مصلحة المناطق السورية وسكانها والقرى البدوية والدرزية التي تخلى عنها النظام، فهو يصب في مصلحة الأمن الوطني الأردني، فالحزام الأمني العشائري هناك يجهض أي محاولة لقيام «دولة تطرف» جديدة على مرمى رصاصة بندقية عنا.
الحال في المناطق العراقية الحدودية يشبه السورية أيضا، فمناطق الأنبار خارج سيطرة الحكومة العراقية وقواتها، وتقع مسؤولية حماية البلدات والقرى وسكانها على عاتق أبناء العشائر العراقية في «جمورية الصحراء» المترامية الأطراف، ورغم انضمام العديد من أبناء العشائر لتنظيم داعش خلال العام الماضي لمواجهة حكومة نوري المالكي الراحلة، فإن غايتهم كانت الاستقواء بمقاتلي التنظيم لمواجهة خطر قوات دولة القانون التي كانت تأتمر بأمر المالكي والتي أمعنت في الفتك بالسكان ومحاصرتهم اقتصاديا وسياسيا، وقد بدأت عشائر الأنبار تعي جيدا خطر الاعتماد على قوة داعش التي تستغل موقعهم الجغرافي وأوضاعهم الاقتصادية والأمنية والسياسية وسياسات الإقصاء والتطهير الطائفي للتمكن من السيطرة وبسط نفوذها على تلك البلاد. لذلك فإن القراءة في مستقبل تلك المنطقة من الجزء العراقي توضح لنا الخطر الداهم الذي سيتفاجأ به الجميع فجأة، والسبب أن دول الجوار لم تعط الكثير من الأهمية لذلك المحور الهام الذي تتقاتل عليه مختلف الأضداد، فقوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تدعمها مليشيات شيعية متطرفة حاولت على مدى ثلاث سنوات إخضاعها، وتنظيم القاعدة وجد فيها إفغانستان جديدة عقب سقوط بغداد، والعصابات الإجرامية وقطاع الطرق والمهرّبون جميعهم استغل سقوط تلك المنطقة أمنيا وعسكريا، وكل ذلك دعم تردي الروح المعنوية لدى أبناء العشائر الذين فقدوا كل مقومات التنمية البشرية والاقتصادية، فيما تخلت عنهم الدول السنية الشقيقة واصبحوا ما بين مطرقة قوات بغداد وطهران وسندان التنظيمات المتطرفة. هنا في الأردن يعلم صناع القرار كل تلك التفاصيل ويدركون الخطر الذي ينتظر المنطقة، وعندما أعلن الأردن على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام د محمد المومني عن استعداد الأردن لتدريب العشائر السورية لمواجهة تنظيم داعش، صمت بعده الجميع ولم يفسر أحد طلاسم المشهد القادم، واعتقد أن مرد ذلك هو ردة فعل مسؤولي النظام السوري الذين كالوا التهم جزافا للأردن، وهم عاجزون عن حماية بيوتهم، وهذا خطأ نرتكبه إن لم نستمر في العمل على تأمين وحماية حدودنا من خارجها، عن طريق دعم وتسليح وتدريب أبناء العشائر في غرب العراق وجنوب سوريا لتمكينهم من حماية أنفسهم ومواجهة تنظيم داعش وأي قوات ومليشيات متطرفة مدعومة جميعها من الخارج بالمناسبة.
عندما صرح جلالة الملك أن الأولوية هي محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش قبل الأسد، فهو يعيّ أن زعامات الإرهاب أشبه بزعماء عائلات المافيا، عليك أن تقضي على أكثرهم خطرا لتتمكن من التفاوض مع الأقل سيطرة على الأرض، ولذلك يجب أن تترجم تلك الفلسفة على الأرض، فالأردن هو من يقود الحرب على الإرهاب و حتى لا نتلاوم فإن علينا أن نفكر ببناء سور بشري قوي يدعم أمن واستقرار حدودنا الخارجية، لنفكر كيف نضع خطة انسحاب تصب في مصلحتنا إذا ما قررت دول التحالف وقف دعمها والخروج من المهمة، وهذا يتطلب إعادة الحديث بصوت أعلى عن تدريب وتأمين المناطق السنية غرب العراق وجنوب سوريا. الرأي