عاصفة حزم اقتصادية للأردن
سمير حجاوي
19-04-2015 03:25 AM
يتحمل الأردن عبئا يزيد كثيرا عن طاقته وقدراته وإمكانياته، فحسب اخر احصائيات متوفرة يسكن الأردن 10.5 مليون انسان منهم 7 ملايين أردني، وهذا يعني ان عدد غير الأردنيين في المملكة يصل إلى 4.5 مليون شخص، منهم حوالي 1.5 مليون سوري، ومليون عراقي و1.1 مليون مصري و 80 الف لبناني والباقون ينتمون إلى جنسيات اخرى، وانضم إلى القائمة مؤخرا ليبيون ويمنيون وسودانيون.
لم يكن الشعب الأردني يوما الا مرحبا بكل اخوته من المحيط إلى الخليج، وتؤكد الدراسات المسحية ان الأردنيين يتصدرون قائمة الشعوب العربية التي تتبنى العروبة والاسلام، عمليا لا نظريا، ولم يكن الأردن يوما الا ملاذا امنيا للباحثين عن الامن والاستقرار ولقمة العيش رغم شح الموارد وقلة ذات اليد.
هذا الكرم الأردني وهذه الحفاوة بإخوته اللاجئين اليه هربا من الموت الزؤام لم يقابله كرم عربي يليق به، وترك الأردن وحيدا لكي يتحمل المسؤوليات والاعباء عن ملايين اللاجئين في الماضي والحاضر، بدءا من الشركس والشيشان الذي فروا من الة الموت الروسية والفلسطينيين الذين سلب اليهود ديارهم مرورا بالعراقيين وانتهاء بالسوريين.
لا غضاضة من القول ان 90 في المائة من الأردن صحراء وان الارض الصالحة للزراعة تشكل نحو 8% من مساحته يزرع نصفها بسبب شح المياه، اذ يعتبر الأردن واحدا من افقر 10 دول في العالم من حيث الموارد المائية، وعلى الرغم من ذلك تمكن الأردن من تاسيس بنية تحتية رائعة، فالكهرباء في الأردن لا تقطع رغم عدم امتلاكه للنفط والغاز، والمياه يتم توزيعها على الاحياء السكنية حسب المتوفر، وتغطي شبكة الكهرباء والماء 99% من المملكة، والصرف الصحي يخدم كل المدن تقريبا، وسجل الأردن ادنى معدل للامية في العالم العربي واكبر عدد من الدارسين في الجامعات نسبة لعدد السكان، ويمتلك واحدا من افضل البنية الصحية والطبية في العالم، والصادرات الدوائية الأردنية تسجل اختراقات جيدة في الاسواق الاوروبية والامريكية التي تعتبر الاعقد والاعلى من حيث المعايير، وهي منجزات لا بد من ذكرها.
لكن كل هذه المنجزات التي بناها الأردن خلال 70 عاما توشك ان تتبخر بفعل الضغط السكاني غير الطبيعي، فمن غير الممكن لبلد شحيح الموارد ان يحافظ على استمرار بنيته التحتية عندما يرتفع عدد السكان بنسبة 40% خلال سنوات قليلة بسبب الهجرات غير الطبيعية، لان هذه الهجرات تؤثر على المدارس والمستشفيات والطرق وموارد المياه والزراعة والخدمات الاخرى، ويزيد الطين بلة ان هؤلاء المهاجرين إلى الأردن"فقراء ومعدمين" وبالتالي لا يستطيعون دفع ثمن الخدمات التي يحتاجونها، مما يؤدي إلى تحمل الأردن هذه الاعباء الاضافية غير المتناسبة اطلاقا مع إمكانياته موارده.
لقد ارتفعت المديونية الأردنية إلى اكثر من 29 مليار دولار، وهو رقم كبير جدا على بلد بحجم الأردن، ويعاني 25% من الأردنيين من البطالة، ويرزح 40% من الأردنيين تحت خط الفقر، ويدرس في الصف الواحد حاليا اكثر من 50 طالبا، ولا يتقاضى المعلمون رواتب تكافئ جهودهم وتعبهم في بناء الاجيال، وتعاني المدن من الازدحام الشديد بسبب كثرة الوافدين، ومع كل هذه الحقائق فان الدول العربية لم تلتفت إلى الأردن لتحمل الاعباء معه ، ومساعدته على حفظ منظومة الخدمات القائمة من الانهيار، وبدل تداعي الدول العربية على وضع خطة شاملة للنهوض في الأردن اقتصاديا، اعتمدوا سياسة المساعدات المتقطعة واغاثات الجمعيات الخيرية، وهي سياسة لا تساعد الأردن بل تزيد من اعبائه.
الأردن قدم ويقدم لإخوانه العرب دون ان يطلب من "الرز المتلتل"ودون ان يقدم فواتير يومية ودون ان يغلق حدوده امام الهاربين من جحيم الحرب، ويتحمل ذلك على حساب الامن الاقتصادي والمعيشي لأبنائه، وعلى حساب امنه واستقراره.
مطلوب من العرب "عاصفة حزم اقتصادية" من اجل الأردن، الذي وصل إلى اقصى طاقته في تقديم العون للأخرين، وبات يحتاج إلى عون لتمكينه من الاستمرار.