قادتني أقدامي – مجبرا—ذات يوم الى مكان مصنف لذوي الثروات الطائلة والجيوب المنتفخة ، وكنت أنا في هذه اللحظة لست خلواً من المال ، فجيبي أيضا منتفخ بثروتي المعتبرة والتي قدرتها في حينها بسبعة عشر ديناراً عداًً ونقداً ، المكان عجيب فكل الأشياء تستفزني وتدلق لسانها لي ، الناس ، الموجودات ، الأصوات ، الحركات وأنا الوحيد الغريب في هذا المزيج.
وحتى أخلص من هذا المأزق وأطرد غربتي عن هذا المكان اصطنعت بعض الوقار وانتحيت جانبا وآثرت أن أجلس على أحد المقاعد بعيدا عن العيون التي تخترقني وتبحث في مساماتي عن علة وجودي ، وفي هذه الأثناء جلست فتاتان في مقعدين مجاورين لمقعدي فكان هذا الحوار :
الأولى : يا الله شو زاكي بوبي
الثانية : أنا ئلت من أول ماشفته انه حبّوب
الأولى : بوبي حياتي أنا ما بتصور أعيش من غيره
تسكت قليلا وكأنها تستدرك شيئا وتتابع : على فكرة هو بنام عندي تحت السرير
إحمر وجهي خجلا مع حنق جعلني أتعرق وقلت في نفسي : كنت أحسب أن هذه المرأة تحب زوجها هذا الحبوب والزاكي ، والأن تجعله ينام تحت السرير ، وتمتمت في نفسي لعنة الله على ( هيك نسوان ) .
الثانية بدلع شديد : انا شفت الطوء برئبته ياي شو بجنن
الأولى : بتعرفي ئديش اشتريتلو الطوء
الثانية : بمية دينار
الأولى : ولو شو مية أخدته بميتن دينار هذا بوبي رئبته ما بلوء الها الا الغالي
الثانية : بيلبئلو
وفي هذه اللحظة التي كنت أتوقع فيه حضور بوبي الزوج المبجل لهذه المرأة المغناج يقبل صبيا منعما يقود كلبا كثيف الشعر زينت أقدامه بأشرطة لامعة ورقبته تتدلى منها سلسة مذهبة ويقفان أمام الفتاتين ، فتبادر الأولى مرحبة : اشتئتلك كتير
الثانية تنادي بدلع ( وتمط ) الكلمة : بوبي .. بوبي
وينتهي المشهد بحركات من بوبي تثير استيائي ، ولكنها أطلقت سيلا من الضحكات المجلجلة من الفتاتين ، وأنا اكتفيت بشتيمة أسررتها في نفسي ( ملعون أبوك يا بوبي أسع أنت كلب يا ابن الكلب ) .
آه كم كنت ساذجا حين اعتقدت لوهلة أن هذا لصنف من البشر يشاركنا الحياة على هذا الكوكب ، هل ياترى نام أحدهم أو احداهن على جوع بعد أن أعيا الأب البحث عن رغيف خبز ؟ هل يعلمون أن الجوع غيمة كبيرة تمطرنا صباحا مساءا ؟ والرغيف هدف منشود لا يستطيعه الا من رسم وخطط له طويلاً ، واللحمة إن اقترفناها فقد أتينا ذنْباً عظيما .
يا بوبي هل تعرف بجوعنا وكدِّ كثير من الرجال اليومي لتأمين الحد الأدنى الأدنى من حياتنا المتواضعة ، يا بوبي رقبتك يعلق بها سلسلة من ذهب بمئتي دينار ، ورقابنا – يا بوبي – تنوء بسلاسل من هموم وضنك وجوع ، يا بوبي أخاطبك لأني أشعر أنك ستكون اكثر تفهماً لحالنا ،أما هؤلا ء فتُباً لهم فما عاد يربطنا بهم الا ذكريات شبعنا المزعوم ،ولن يكونوا بوابة فرجٍ لنا ، فهم ليسوا الا بوابة لفقرنا الطويل.