هل تعني الحدود الجديدة صراعا أقل في الشرق الأوسط؟
15-04-2015 02:22 PM
عمون - وول ستريت جورنال – المنطقة تعيش في ظل إرث قابل للاشتعال لدول مُقَسَّمة بشكل غير طبيعي من بقايا الإمبراطورية العثمانية.
بعد وقت قصير من نهاية الحرب العالمية الأولى، انقطع رئيس الوزراء الفرنسي والبريطاني عن العمل الشاق في إعادة رسم خريطة أوروبا، من أجل مناقشة مسألة أسهل وهي رسم الحدود في الشرق الأوسط المُحتل حديثًا.
قبل عامين، في عام 1916، اتفق الحليفان على مناطق نفوذهما من خلال اتفاقية سرية، عُرفت باسم اتفاقية سايكس بيكو، لتقسيم المنطقة. ولكن في ظل هزيمة الإمبراطورية العثمانية، وقتال المملكة المتحدة ضد الأتراك، شعرت المملكة أنها حصلت على مكافأة مُجزِية.
قال جورج كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا آنذاك، لنظيره البريطاني ديفيد لويد جورج، وهما يتجولان في السفارة الفرنسية في لندن: “قل لي ماذا تريد”.
وفي غضون بضع ثوان، تم الأمر. وأصبحت مدينة الموصل التابعة للإمبراطورية العثمانية، موطن العرب السُنة والأكراد والتي تمتلك فائضًا كبيرًا من النفط، جزءًا من العراق الجديدة، وليست جزءًا من سوريا.
امتلك العثمانيون إمبراطورية متعددة الأديان، متعددة اللغات، يحكمها السلطان الذي حمل لقب الخليفة -قائد المسلمين في جميع أنحاء العالم. وبعد أن انضمامهم إلى الطرف الخاسر في الحرب العظمى، رأى العثمانيون إمبراطوريتهم تتفكك بسرعة من قِبل رجال الدولة الأوروبية الذين كانوا على دراية بالشعوب في المنطقة، والجغرافيا والعادات والتقاليد هناك.
وكانت دول الشرق الأوسط الناتجة عن هذه الاتفاقية مجرد كيانات مصطنعة، مع خطوط مستقيمة على الحدود. واستمرت هذه الدول على هذا النحو منذ ذلك الحين، إلى حد كبير، من خلال البقاء ضمن حدود الحقبة الاستعمارية على الرغم من المحاولات المتكررة لتوحيد العرب.
الاختلالات الداخلية في بعض من هذه الدول المُقَسَّمة حديثًا -خاصة سوريا والعراق- أنتجت ديكتاتوريات وحشية نجحت على مدى عقود في قمع الأغلبية المضطربة وتكريس حُكم الأقليات.
ولكن ربما اقترب كل ذلك من الانتهاء الآن؛ إذ لم تعدّ سوريا والعراق دولة بمفهومها التقليدي. وتقع أجزاء كبيرة من كلا البلدين خارج سيطرة الحكومة المركزية، كما تم تفريغ المعنى الحقيقي للأمة السورية والعراقية من قِبل هيمنة الهويات الطائفية والعرقية.
وكان صعود تنظيم الدولة الإسلامية هو النتيجة المباشرة لهذا الانهيار. نصّب زعيم الجماعة السُنية المتطرفة، أبو بكر البغدادي، نفسه الخليفة الجديد وتعهد بمحو عار “مؤامرة سايكس بيكو”.
وبعد اندفاع رجاله من معقلهم في سوريا بالصيف الماضي واستيلائهم على الموصل، وعد البغدادي بتدمير الحدود القديمة. في هذا الهجوم، كان أول ما قامت به داعش هو نسف نقاط التفتيش بين سوريا والعراق.
يقول فرانسيس ريتشاردوني، سفير الولايات المتحدة السابق في تركيا ومصر، والذي يعمل حاليًا في المجلس الأطلسي، في واشنطن، إنّ: “ما نشهده الآن هو زوال النظام ما بعد العثماني، وزوال الدول الشرعية. وتنظيم داعش هو جزء من ذلك، إنه يملأ فراغ انهيار هذا النظام”.
في الفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط الآن، فإنّ الدول التي أنشأها المستعمرون الأوروبيون قبل قرن من الزمان هي التي تتفكّك. وفي الكثير من الدول “الطبيعية” في المنطقة، منع الشعور القوى بالتاريخ المشترك والتقاليد في هذه الدول، حدوث انهيار مماثل.
ويقول حسين حقاني، الكاتب والسفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، إن: “جزءًا كبيرًا من الصراع في الشرق الأوسط هو نتيجة انعدام الأمن في هذه الدول المصطنعة، التي تحتاج إلى أيديولوجيات الدولة للتعويض عن افتقارها للتاريخ، وقوة مرنة ضد شعوبها أو ضد الدول المجاورة لتعزيز هويتها“.
في مصر، ومع تاريخها الذي يرجع لآلاف السنين والشعور القوي بالهوية، لم يشكّك أحد في “مصرية” الدولة خلال الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في ثورة عام 2011. ونتيجة لذلك، نجت معظم المؤسسات في مصر من الاضطرابات السلمية نسبيًا، ولم يصل العنف إلى حرب أهلية صريحة.
في العصور القديمة، كانت تركيا وإيران هما مركز الإمبراطوريات العظمى، ولم تعان أي منهما بشكل كبير في السنوات الأخيرة، على الرغم من وجود أقليات عرقية كبيرة في كلا البلدين، منهم العرب والأكراد.
لم يكن مصير دول الشرق الأوسط “المصطنعة” هو الفشل، وبعضهم -خاصة الأردن- لم ينهر، على الأقل حتى الآن. العالم مليء بالدول متعددة الطوائف، متعددة الأعراق، وهي دول ناجحة ومزدهرة، من سويسرا إلى سنغافورة إلى الولايات المتحدة، وهي دولة ذات تاريخ حديث مقارنة بإيران.
ويقول ريتشاردوني: “في جميع هذه الأماكن، يجعل التوحد الاجتماعي -القائم على الحُكم الرشيد والفرص الاقتصادية- التنوع العرقي والديني مصدر قوة، وليس محركًا لعدم الاستقرار. في الشرق الأوسط، على النقيض من ذلك، “عندما ساءت الأمور، لم يكن هناك حُكم رشيد، كان هناك حُكم مروّع“.
منذ قرن من الزمان، كان يأمل الكثيرون أن تتبع سوريا والعراق نفس مسار سويسرا. وفي ذلك الوقت، بعث الرئيس وودرو ويلسون لجنة إلى منطقة الشرق الأوسط لاستكشاف ما هي الدول الجديدة التي يجب أن تنهض من تحت حطام الإمبراطورية العثمانية.
تحت الحكم العثماني، لم تكن سوريا ولا العراق موجودتين باعتبارهما كيانات منفصلة. وهناك ثلاث محافظات عثمانية -بغداد والبصرة والموصل- تابعة للعراق اليوم. وأربعة آخرون -دمشق وبيروت وحلب ودير الزور- تقع ضمن سوريا ولبنان وجزء كبير من الأردن وفلسطين، إضافة إلى قطاع كبير من جنوب تركيا. جميع هذه المدن كانت مأهولة بمزيج من الطوائف السُنية والعرب الشيعة والأكراد والتركمان والمسيحيين في العراق، وسوريا، إلى جانب العلويين والدروز.
وقدم المفوّضون الذين أرسلهم الرئيس ويلسون، وهم هنري كينغ وتشارلز كرين، تقارير بالنتائج التي توصلوا إليها في أغسطس 1919. في أوروبا في ذلك الوقت، أدى تفكك الإمبراطوريات النمساوية المجرية والروسية إلى ولادة دول قومية جديدة قائمة على العِرقية. ولكن المسؤولين الأمريكان كان لديهم أفكار مختلفة: نصحوا ويلسون بتجاهل الاختلافات العِرقية والدينية في الشرق الأوسط.
واقترحوا أن ما يُعرف الآن بالعراق، يجب أن تبقى موحدة لأن “الحكمة وراء دولة موحدة لا تحتاج إلى حجة في حالة بلاد ما بين النهرين”. وتحدثوا أيضًا عن “سوريا الكبرى” -وهي منطقة كانت لتشمل لبنان، والأردن، وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وقال كينج وكرين إنّ نهاية الحُكم العثماني “تقدم فرصة كبيرة، ربما لن تتكرر، لبناء … منطقة الشرق الأدنى على الأساس الحديث من الحرية الدينية الكاملة، بما في ذلك مختلف المعتقدات الدينية، وخاصة حراسة حقوق الأقليات“. وأضافا أنّ السكان المحليين “يجب أن تكون أوضاعهم أفضل في ظل الدولة الحديثة ” من الحُكم العثماني. لكنّ آمال الأمريكان لم تتحقق.
في سوريا، واجهت السُلطات الاستعمارية الفرنسية الأغلبية السُنية المعادية، ووقفت إلى جانب العلويين، وهي أقلية من المذهب الشيعي التي عانت من التمييز تحت الحُكم العثماني. وفي فترة وجيزة، أنشأ الفرنسيون دولة علوية منفصلة على ما يُسمى الآن الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط وجنّدت العلويين في القوات المُسلحة الجديدة.
في العراق، حيث تشكل الشيعة الأغلبية، لعب المسؤولون البريطانيون دورًا مماثلًا، وواجهوا التمرد الشيعي بعد بدء احتلالهم. اعتمدت الإدارة الجديدة، بشكل غير متناسب، على الأقلية العربية السُنية، التي ازدهرت تحت حُكم العثمانيين، والآن يلتفون حول الملك الجديد السُني في العراق، التي جاءت به بريطانيا من الحجاز المستقلة حديثًا، وهي مقاطعة عثمانية سابقة استولت عليها المملكة العربية السعودية.
ساعدت تلك القرارات على تشكيل مستقبل العراق وسوريا بمجرد انتهاء النظام الاستعماري. حكمت عائلة الأسد سوريا منذ عام 1970؛ وأصبح صدام حسين رئيسًا للعراق في عام 1979. وعلى الرغم من الشعارات الرنانة عن أمة عربية واحدة، حوّل كلا النظامين بلادهما إلى أماكن حيث كانت المجتمعات الحاكمة من الأقلية (العلويين في سوريا والعرب السُنة في العراق) تتمتع بحقوق أكثر من الآخرين.
محاولات الأغلبية السُنية في سوريا أو الأغلبية الشيعية في العراق لتحدي هذه الأنظمة السلطوية، قُضي عليها بقسوة ودون رحمة. وفي عام 1982، هدم النظام السوري مدينة حماة التي تسكنها غالبية سُنية بعد ثورة إسلامية، وأطلق صدام العنان لغضبه وسحق انتفاضة الشيعة في جنوب العراق بعد حرب الخليج في عام 1991.
في سوريا اليوم، يدعم الكثير من العلويين بشار الأسد ضد الثوار السُنة خوفًا من أن انهيار النظام يمكن أن يمحو مجتمعهم بالكامل؛ وهو تهديد يعززه تنظيم الدولة الإسلامية، الذي قدّم المتطرفون للعلويين والشيعة خيارًا واضحًا إمّا التحوّل عن مذهبهم أو الموت.
في العراق، الحكومات التي يهيمن عليها الشيعة والتي حكمت منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، قلبت الطاولة على الحُكّام السابقين في البلاد عن طريق التمييز ضد الأقلية السُنية. ونتيجة لذلك، تمكّنت الدولة الإسلامية من الاستيلاء على المناطق السُنية في العراق العام الماضي دون أي معارضة، لأن السكان المحليين ينظرون إليها باعتبارها أقل شرًا من الشيعة.
يقول فالي نصر، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز ومستشار وزارة الخارجية السابق، إنّ: “الأمر ليس متعلق بالحدود الإقليمية، إنها مجرد خريطة للحُكم صنعتها أوروبا”.
وأضاف نصر: “القوى الاستعمارية داخل الدول خلقت إدارات استعمارية قامت بتعليم، وتجنيد وتمكين الأقليات. وعندما يغادرون، يتركون السُلطة في أيدي تلك الأقليات؛ يتركون وراءهم ديكتاتورية الأقليات“.
وأوضح نصر قائلًا: “كانت السُلطة منحازة في العراق وسوريا وكثير من هذه البلدان، وليس هناك طريقة مناسبة لتصحيح هذا الوضع؛ الفائزون لا يريدون مشاركة المكاسب، والخاسرون لا يريدون التخلي عن السُلطة. والشرق الأوسط يمر بفترة من الاضطراب الكبير، وسينتهي به الأمر إلى بناء هيكل سياسي مختلف وربما هيكل إقليمي مختلف أيضًا”.
ولكن ما مدى قابلية الشرق الأوسط لتغيير هذه الهياكل الإقليمية؟ وإذا ما تم تغييرها، ماذا سيبدو شكل الخريطة الجديدة للمنطقة؟
أحد الاحتمالات الواضحة ينطوي على الأكراد، ورغبتهم في الحصول على دولة مستقلة فيما يُعرف الآن بشرق تركيا وشمال العراق، وهي حقوق أقرتها معاهدة “سيفر” قصيرة الأجل وهي معاهدة تم توقعيها في عام 1920 بين الحلفاء الغربيين والعثمانيين. وقد أنكر القوميون الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة، تلك المعاهدة. وحتى وقت قريب، نفت تركيا وجود كيان كردي منفصل.
تمتع الأكراد، الذين يعيشون مشتتين في أنحاء العراق وتركيا وسوريا وإيران، بعقود من الاستقلال الظاهري في ظل حكومة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق؛ الجزء الجبلي من ما كان يومًا المحافظة العثمانية في الموصل. وأنشأوا الآن ثلاثة “أقاليم” من الحُكم الذاتي في شمال سوريا.
وقال كريم سجادبور، محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي: “سأكون مندهشًا إذا لم يكن هناك بلد يُسمى كردستان في غضون 20 عامًا. فهي دولة قائمة بالفعل”.
مع لغتهم وثقافتهم المنفصلة، يسيطر الأكراد في العراق على حدودهم وأمنهم، مما يحد من دخول العراقيين العرب. وفي ظل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حان الوقت للميليشيات الكردية هناك لتحديد مشروع وطني مختلف. وقال فريد العاطي، مسؤول في إحدى الميليشيات الكردية العلمانية لمكافحة الدولة الإسلامية بالقرب من بلدة كوباني، التي تعد واحدة من الأقاليم الكردية الثلاثة المستقلة في سوريا، أنّ: “المتمردين الآخرين يقاتلون من أجل سوريا، ولكن لدينا كردستان مستقلة، وهذا ما نهتم به”.
وبغض النظر عن كردستان، فإن الحال بالنسبة للدول الجديدة المستقلة أصبح أقل وضوحًا، على الرغم من أهوال العِرقية والطائفية التي تعصف بالمنطقة اليوم.
وفي مناسبة واحدة، وبغض النظر عن مدى اصطناع هذه الدول، أثبتت دول ما بعد العثمانية مرونتها بشكل مذهل. بالنظر إلى لبنان، وهو بلد يحتوي على ما يقرب من 18 طائفة دينية متصارعة، نجت من الحرب الأهلية الدامية ومتعددة الجوانب في 1975-1990، وتحدت التنبؤات بزوالها المحتمل.
وعلى الرغم من هذا الصراع التاريخي، إلا أنّ لبنان ظلّت جزيرة من الاستقرار النسبي في ظل الاضطراب الإقليمي الحالي، حتى في ظل اجتياحها من قِبل أكثر من مليون لاجئ سوري فروا من الفوضى في بلادهم.
“وقد بذل حُكّام تلك البلدان الذين شكّلوا الحدود المصطنعة المعترف بها، الكثير من الجهد في بناء الحس القومي. والسؤال هو كم استغرق هذا الأمر؟“. يقول ميشيل دن، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية، ويعمل حاليًا خبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي، وإنّه: “قد لا يكون الحس القومي قويًا كما هو الحال في بلد يشعر بمكانته منذ قرون، لكن ربما لا يزال هذا الحس موجودا”.
في الواقع، وحتى في العراق المحطمة وسوريا الممزقة، لا تزال المشاعر القومية على قيد الحياة. وقال إياد علاوي، نائب الرئيس العراقي ورئيس الوزراء السابق: “إذا مرت أي دولة بما مرت به العراق في السنوات الـ 12 الماضية، لكانت تقطعت أوصالها الآن. الشيء الذي أبقى على استمرار البلاد هو إرادة الشعب”.
في سوريا، هناك طالب اسمه محمد علي يبلغ من العمر 19 عامًا، أشار مؤخرًا إلى رد فعل السكان المحليين عند وصول تنظيم الدولة الإسلامية في مسقط رأسه في مدينة البوكمال، بالقرب من الحدود العراقية.
وكجزء من حملتها لمحو الحدود الاستعمارية، فصل الحكام الجدد مدينة البوكمال عن المقاطعة السورية التابعة لها ودمجوها في “مقاطعة الفرات” الجديدة التي تحكمها مدينة القائم العراقية.
في البداية، قال السيد علاوي، إنّ السكان المحليين كانوا سعداء بتدمير الحدود المجاورة. “لمدة 30 عامًا، ونحن لم نكن قادرين على عبور أو زيارة أقاربنا على الجانب الآخر“.
ومنذ ذلك الحين، ومع ذلك، تحوّل المزاج العام إلى رد فعل وطني وسط استياء من العراقيين الذين اجتاحوا المنطقة، وسيطروا على مدينة البوكمال، والذين كانوا ينقلون شاحنات النفط السوري “المسروفة” عبر الحدود. “نحن لا نريدهم هنا. نحن نريد حدودنا مرة أخرى“.
هناك مجموعة أخرى من القضايا تقف في طريق التقسيم الجديد المحتمل: أين بالضبط ستُرسم الخطوط الجديدة؟ وبأي ثمن؟
على الرغم من التطهير العرقي في السنوات الأخيرة، إلا أنّ السُنة والشيعة ما زالوا يعيشون معًا في أجزاء عديدة من العراق، بما في ذلك بغداد، وعدد كبير من السوريين السُنة ما زالوا يعيشون في المدن التي يسيطر عليها نظام الأسد بدلًا من المناطق التي دمرتها الحرب تحت سيطرة المتمردين.
يشير السيد علاوي، نائب الرئيس العراقي، إلى أن العديد من الجماعات القبلية التقليدية في البلاد تشمل كلا من الشيعة والسُنة، وأن العديد من العائلات العراقية، وخاصة في المدن الكبرى، مختلطة أيضًا.
ومزح قائلًا: “يجب عليك أن تدخل غرف نوم الناس حتى تُقسم هذه البلاد” .في العراق وفي أماكن أخرى، لا توجد وحدة بين السُنة والشيعة والأكراد، فهم جماعات تحركهم الآراء الجماعية؛ والصراعات الداخلية.
التقسيم الأخير لبلد عربي -تقسيم السودان إلى الشمال العربي الجنوب الجمهوري، غير العربي في عام 2011، لا يُعدّ سابقة مشجعة لصنّاع الحدود الجديدة. سرعان ما انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت نحو مليوني شخص.
يقول فواز جرجس، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، إنّه: “لا يوجد بديل ليحل محل نظام الدولة“، “وإلّا، قد تستبدل حرب أهلية واحدة بالعديد من الحروب الأهلية، وهذا بالضبط ما يمكن أن يحدث في سوريا أو العراق. إنها حلقة كارثية“.
ويقول ستيفن هادلي، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش، ويرأس الآن معهد الولايات المتحدة للسلام، أنّ صياغة ميثاق اجتماعي عملي جديد ضمن حدود المنطقة الحالية وهو أمر من المرجح أن يحدث بعد تعب الشعوب من الحروب المستمرة هو السبيل الوحيد للمضي قُدمًا.
المشكلة الحقيقية في الشرق الأوسط، كما يقول هادلي، “هي انهيار ما كان يحدث داخل الحدود وليس انهيار الحدود: الحكومات التي لم يكن لديها الشرعية ولم تكتسبها من شعوبها. لن تحل هذه المشاكل من خلال إعادة رسم الحدود“.
ويعترف السيد هادلي، بأنّ إيجاد تلك الحلول لن يكون سهلًا.
واختتم قائلًا: “قد يكون ذلك تعويض عن الماضي. لكن الخروج من هذا الوضع سيكون مهمة الجيل الجديد“.