المسافة المشاعرية الفاصلة أردنيا بين المفكر العربي الدكتور محمد المسفر من جهه ، والمفكر العربي محمد حسنين هيكل من جهة ثانيه ، مليئة بالتناقضات التي تسيل جميعها معا في واد واحد ، لتصب في بحيرة تنبئ كل قطرة منها بمدى الحب المنصف الذي يكنه المفكر المسفر لبلدنا ألاردن ، وفي المقابل بمدى الخصام المستفحل الذي يكنه المفكر هيكل لبلدنا .
في المربع الاول ، نحن أمام إنسان منصف ينطق بما يرى أنه الحق ، فيواظب وبإندفاع مقدر مشكور للدفاع عن الاردن في مواجهة الظلمة في عالمنا العربي وما أكثرهم في هذا الزمان ، وعلى رأسهم وبإمتياز هيكل نفسه ، وفي المربع الثاني ، نحن أمام إنسان نحترم سنه ونحار في فهمه ، إذ يواظب وبأندفاع مستهجن، على محاولة تشويه كل مشهد جميل في حياة الاردن والاردنيين ، حتى لقد بلغت به الأمور حد التشفي بالموت ، عندما سعى بإستنكار متعمد ، الى محاولة التقليل من هيبة جنازة العصر المهيبة التي أكرم بها العالم كله ، فقيدنا الكبير الملك الحسين رحمه الله ، وعندما قال العالم كله وبالممارسة والقول معا ، كم هو كبير بلدنا حضورا .
الدكتور المسفر حماه الله وامد بعمره ، يرى أن بلدنا جدير بدعم ومساندة أشقائنا في الخليج ، لا بل يرى ان الاردن يسهم في رد الشر عنهم ، في حين ينكص غيره ، ولسان حالنا في هذا المقام يقول للدكتور المسفر المحترم والمنصف ، ان الاردن ما كان طيلة عمره ويبقى بعون الله ، إلا خير سند لاهله جميعا ، وبالذات في الخليج العربي ، المضحي دوما لقاء ذنوب غيره من أهله العرب .
ليس سرا ان ثلث سكان الاردن اليوم ليسوا من مواطنيه ، وإنما هم عرب اشقاء فروا بارواحهم من نيران حروب وأقتتال عربي عربي في سورية والعراق وغيرهما ، ولا يملك هيكل وامثاله نكران ان الاردن وبإمكاناته ، خاض الحروب العربية كلها ، دفاعا عن الحق والكرامة العربية ، وقدم في سبيل ذلك ، دماء وشهداء وتضحيات لم يقدم مثلها احد غيره ، ففي زمن عربي مضى ، وقفنا الى جانب الكويت الشقيقة عندما ظلمها العراق الشقيق ، وإلى جانب لبنان ، وسورية التي حاربتنا عندما دخلت حرب عام ١٩٧٣ في مواجهة إسرائيل ، وألى جانب العراق عندما حشدت ضده اميركا وحطمت جيشه وقدراته ، والى جانب اليمن سابقا ولاحقا اليوم ، والى جانب البحرين عندما تهددها الخطر ، والى جانب ليبيا اليوم ، والى جانب الجزائر في حربها ضد المستعمر ، ويذكر كل العرب ، ان اول عون عربي للثورة الجزائرية وصل من الاردن ، الذي كانت موازنة دولته آنذاك ، بضعة مئات آلاف لا اكثر ، أما قضية العرب الاولى فلسطين ، فهي في صلب الهم والتضحية والاستشهاد الاردني عبر العقود ، ولا نعرف بلدا شقيقا إلا ولنا عنده موقف مشرف .
يوافقني الدكتور المسفر سلمه الله وجزاه عنا كل خير ، ان الاردنيين لم يروا يوما اخضرا منذ نشوء دولتهم ، والسبب هو المحتل الاسرائيلي من جهه، ونزوات بعض أشقائنا العرب من جهة ثانيه ، ومع ذلك ، فنحن لا نمن وحاشى ان نفعل ، فقد نعتب ، نعم قد نعتب على أشقائنا الذين يدركون حجم معاناتنا ، لكننا لم ولن نخذلهم ابدا ، وأذا ما كنا نشارك اليوم التحالف العربي في عملياته الموفقة في اليمن ، فإن ذلك في عرفنا واجب نؤديه نحو بلد شقيق ، ودفاعا عن حرمة بلدان عربية شقيقة في خليجنا العربي الذي يحاول البعض تجريب سكاكينه فيه ، واكثر من ذلك ، دفاعا عن مكة والمدينة وكل ارض الخليج العربية العزيزه .
لك الشكر والثناء حضرة الاخ العزيز الدكتور المسفر ، فلقد قلت ووفيت ، وتيقن ان الاردنيين جميعا ، ومن كل المشارب ، يقدرون لك مواقفك الاخوية الصادقة الى جانب الاردن ، وفي المقابل ، فعليك العتب ولا نقول ما هو اكثر إستنادا الى اخلاقنا ، حضرة الصحفي العتيق محمد حسنين هيكل ، وقد سعيت دوما الى تقزيم كل المشاهد الجليلة عندما تكون اردنية الطابع ، ناسيا في هذا السن الحرج ، ان رقابة الله جلت قدرته، فوق كل رقابه ، وان ساعة الرحيل قد تأتي في اية لحظه ، وعندها ، فالثواب والعقاب بالانتظار ، ومن ظلم حظه وظلم الابرياء ، سيلقى ما يستحق ، ومن نطق بالحق وانصف الابرياء ، سيلقى ما هو به جدير ، وها انت اليوم ، وبينما يفرح النابهون العرب ، بقيام تحالف عربي مطلوب دفاعا عن ارض العرب وكرامتهم ، تسعى وبالنسق ذاته ، الى تسطيح وتفتيت هذه الفرحة حبا في المخالفة والسير بعكس التيار ، وعزاؤنا في ذلك بالطبع ، انك من بلد عربي كبير في حضوره ومواقفه ، وان مصر التي انجبتك ، انجبت الكثير سواك من المخلصين لامتهم وعروبتهم ، وها هي اليوم وكشأنها دوما الى جانب اهلها العرب ، فالتحية خالصة لمصر العروبة وشعبها الكبير وتضحياتها المقدرة من اجل العرب .
خلاصة القول ، ننتشي ونسعد نحن الاردنيين ، إذ نقرأ للدكتور المسفر أعزه الله ، ونتعب ونستهجن في المقابل ، إذ نقرأ ، بعض ما يقوله الاستاذ هيكل ، وبالضرورة معنا عرب كثيرون آخرون ، ولا شك في ان اعظم ما نحتكم اليه جميعا ، هو إرادة واحد أحد لا سواه ، وهو وحده الاعلم بالغث من السمين ، ودعنا نحيل انفسنا وإياك اليه جل في علاه ، ليحكم بيننا من منا على حق أو باطل، ومن منا انصف ومن ظلم ، سائلين قدرته التي لا تدانى ، الهداية لك ولنا . أما الدكتور المسفر فعلى الرأس والعين حيثما كان ، وثق دكتور ان لك في بلدك الاردن كل الحب والاحترام والتقدير ، وعلى غيرك عتب لا حدود له هذا الآوان ، فالاردن لم يكن يوما ً مخلى قوم ً ولن يكون ،.والسبب ، انه ما تخلى عن عربي ابدا طيلة عمره ، والله من وراء القصد .