سخر كاتب عربي ذات يوم من بيت الشعر القائل وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، واضاف ان الكهرباء أنهت صلاحية هذا البيت الذي تحوّل بمرور الزمن الى قول مأثور .. لكن بعيدا عن هذه السخرية العدميّة والتلاعب بالالفاظ بسبب فائض البطالة الذي تعيشه مجتمعات أفرادها يكدحون على مدار الساعة كي يعيشوا لكن مجتمعاتهم عاطلة عن العمل، بمعنى المشاركة في صناعة المصير والتحول من رعايا الى مواطنين وفق عقد اجتماعي يعرف فيه الفرد ما له وما عليه وعشنا نحن العرب قرونا تحت طائلة مواعظ ومقولات تجعل من الماضي النموذج الكامل لكل شيء بحيث لا يكون الحاضر والمستقبل معا الا اعادة انتاج له من الناحية الشكلية فقط.
نعرف ان هناك اقمارا في تاريخنا توارت سواء وراء غيوم كثيفة او قضمها الليل حتى آخر هلال، لكن حاضرنا ليس نهاية التاريخ ما دام هناك أمهات يحملن ويلدن وسنابل تعد البيادر بما يسدّ الرمق على الاقل.
لكن ما يحدث احيانا هو ما تخيله الفنان فان غوغ في لوحة عن حقل قمح تهاجمه الغربان، وهناك مثل يكثف الكثير مما اود قوله هو ان البيدر يكشف حقيقة الزرع والحصاد، فهل كان السبب في شحة بيادرنا سحابات الغربان ام الادعاء بأن المحصول اضعاف ما هو عليه في الواقع.
ان من انتظروا صلاح الدين مرة اخرى ولم تلد نساؤهم صلاحا آخر من صلبهم هم اعداء انفسهم اولا لأنهم أدمنوا التوكل دون ان يعقلوا ناقة او بعيرا ، الماضي ليس ملاذا نهرب باتجاهه كلما اظلم الحاضر، فقد اخذنا منه حتى افقرناه ونهبناه بدلا من ان نضيف اليه كي نكون نحن الماضي الآخر لاحفادنا.
واستغرب ان من يرددون كل يوم المثل القائل ما حك جلدك مثل ظفرك، يخلعون قمصانهم ويديرون ظهورهم لمن يتطوّع في حكّها، هذا ما فعله الغساسنة والمناذرة حين اداروا ظهورهم العارية لأظافر الروم والفرس، وهذا ايضا ما تكرر مرات ومرات، وما كان يحدث أبعد كثيرا من الحكّ، انه الطعن في الظهر وتحويل المستجير من النار الى الرمضاء بعد اقتسامه كغنيمة.
كفانا افتقادا للاقمار في زمن الكهرباء التي حوّلت الليل الى ظهيرة، وكفانا ازعاجا للاسلاف في قبورهم التي لم نعد قادرين على الدفاع عنها وعن رميم من سهروا فيها ونحن نائمون !! الدستور