منع الثلج نابليون من دخول موسكو ، فسمّاه الروس "الجنرال ثلج" ، ويبدأ غابرييل غارثيا ماركيز روايته الأهمّ "مائة عام من العزلة" بأنّه يتذكّر أوّل مرة "إكتشف" فيها الثلج ، وهي بداية عبقرية ، فمن منّا لا يتذكّر أوّل مرة شاهد فيها الثلج طفلاً صغيراً ، أو رجلاً كبيراً.
وحين تُعلن الأرصاد عن قدوم الثلج لا ينام الأطفال ، لا لسبب العطلة المدرسية فحسب ، ولا لأنّه أفضل وسيلة للّعب والشقاوة ، ولكن لأنّ مشهد البياض يروق للطفولة ، والبراءة ، فالقلوب الصافية توصف بالبياض ، وحتى الكذبة الصغيرة نصفها بالبيضاء ، وليس هناك من حالة توازن للنفس توازي تلك التي تأتي من فضاء واسع مليئ بالبياض ، مليئ بالثلج. والغريب أنّنا لا نشعر مع الثلج بالبرد ، بل لعلّنا نشعر بالدفء أكثر ، وهذا تناقض لا يمكن أن نجده في حالة أخرى ، فكأنّ الدفء حالة وجدانية وليست جسدية ، وكأنّ أقصى حالات التجمّد تعطينا أحلى حالات الإطمئنان ، وحين نستنفر لحظة نزول الثلج ، فتتشكّل لدينا حالة أشبه بالحرب فهي لا تأتي خوفاً منه ، ولكنّه أشبه ما يكون بالاحتفال بالحبيب. وقد انتظرت عمّان هذه السنة الثلج طويلاً ، وحين أتاها صباح أمس كان يحمل رسالة حبّ ، فعطّل الصحون الفضائية ، ومنع الناس من الحركة البلهاء ، وجعلهم يتجالسون ويتسامرون في عطلة غير معلنة ، وعيد ليس له مثيل ، فأهلاً بالبياض يغلّف عمّان الحبيبة.