الأمل ألاّ نقف في طابور في مقبرة سحاب، نتقبل ونُقدّم العزاء في الصحافة الأردنية
باسم سكجها
14-04-2015 11:51 AM
هناك مقبرة عمّانية صارت أكبر من عمّان نفسها، هي مقبرة سَحاب، وأخشى أن يأتي يوم تشهد فيه تدافع الأردنيون في صفّ طويل، بعد الصلاة على الميّت، ودفنه، ليقدّموا العزاء، أحرّ الحزاء في فقيدة غالية: إسمها الصحافة الأردنية.
لا أعرف من سيتقبّل العزاء: نقيب الصحافيين، أو رؤساء تحرير الفقيدة، أو رؤساء مجلس الإدارة، أو المدراء أوالخفراء، أو لعلّ الصفّ الطويل في متقبلي الحُزن سينتهي بوزير، أو وزراء، أو لعلّ رئيس الحكومة سيأتي بجوقة الكاميرات فيتحدّث، والدمعات في عينيه، عن محاسن الغالية التي فقدناها اليوم.
الأستاذ الدكتور، وبعدها كلّ الألقاب، عبد لله النسور، كان في بداية الثمانينيات مديراً عاماً لصحيفة أردنية إسمها "صوت الشعب"، وُلدت على أنقاض صحيفة أغلقتها الحكومة إسمها "الشعب"، وكان في الوقت نفسه مديراً لدائرة الضريبة والدخل، في أوّل إختلاط بين وظيفة الصحافة ووظيفة الحكومة، ويعرف تاريخ الصحافة أنّ ذلك كان حجر سنمّار الذي أوصل إلى هدم البناية.
بعدها بسنتين، دخلت الحكومة رسمياً في ملكية الصحيفتين الأخريين: "الدستور" و "الرأي"، وصارت تتدخّل في قراراتها التحريرية والإدارية، وتتخبّط في مزاجاتها المتقلبة، ومع مرور الأيام والأشهر والسنوات، كنّا نشهد هبوط المنحنى وصولاً إلى ما نحن عليه الآن.
في كتاب :"صحافة ولكن"، ناقشتُ في مبكّر هذا الإختلاط العجيب، المريب، في فصل حمل عنوان:"صحافة الدولة، أم دولة الصحافة؟" وكان ذلك قبل الأزمة الوجودية للصحافة المطبوعة بسنوات وسنوات، وكنتُ استمع إلى كبار المسؤولين يردّون عليّ بأنّها: صحافتنا، أي صحافتهم، وها نحن نسمع منهم الآن، بعد خراب الديار: إنّها صحافتهم، وليست صحافتنا!
الزميل سمير الحياري، رئيس تحرير "الرأي" نشر أمس في صحيفته مقالة نادرة حملت عنوان:"الرأي بخير" ولكنّ مضمونها كان يُناقض العنوان، فهو يسرد بعض تفاصيل التدخلات الحكومية، ويُلوّح بأكثر، ويتزامن ذلك مع إمتناع الصحيفة نشر أخبار الحكومة، في إعلان صريح بأنّ الحكومات هي المتسببة الأولى بالأزمة.
من مقالة الحياري: أنّ مجلس الإدارة يمتنع عن صرف ثلاثين ديناراً مكافأة لزميل، والمفارقة أنّ الزميلة "الغد" رفعت رواتب الزملاء فيها ثلاثين ديناراً، فهل لنا أن نتساءل: لماذا لا تعاني "الغد" من الأزمة نفسها؟ والتساؤل إستنكاري بالطبع، فهو يحمل إجابته معه: لأنّ "الغد" صحيفة مملوكة للقطاع الخاص، وبعيدة عن تدخلات الحكومة، وقرارها التحريري والاداري ينبع من داخل مبناها، وليس من دائرة حكومية.
كلام كثير يمكن أن يُقال هنا، ولكنّنا نختصر بدعوة المتسببن بالأزمة الوجودية أن يُشاركوا في حلّها، فذلك واجب أخلاقي قبل أن يحمل أيّ عنوان آخر، والأمل ألاّ نقف في طابور في مقبرة سحاب، نتقبل ونُقدّم العزاء في الصحافة الأردنية.
(السبيل)