إذا أضفنا موقف البرلمان الباكستاني الذي قرر بالاجماع الالتزام بموقف الحياد تجاه الحرب في اليمن، الى موقف اردوغان الذي اعلنه من طهران، فان الصورة تبدو واضحة تماما وهي ان المواجهة التي تدور في اليمن (وربما لاحقا في العواصم التي تمدد فيها النفوذ الايراني) انحصرت في جبهتين، احداهما ايران مضافا إليها حلفاؤها في المنطقة، والثانية دول الخليج العربي (باستثناء سلطنة عمان ) وبعض الدول العربية التي انضمت الى عاصفة “الحزم” ، وهذا يعني ان عنوان الحرب سيكون عربيا ايرانيا ، وان الحرب سياسية لا دينية ، وان خريطة التحالفات في المنطقة التي كان البعض يتوقع ان تتشكل على أساس مذهبي (سني شيعي) لم تعد قائمة بعد ان انسحبت أكبر دولتين محسوبتين على السنة وهما تركيا وباكستان.
يمكن فهم ما جرى في سياقين، احدهما داخلي يتعلق بحسابات المصالح الوطنية لكل من انقرة واسلام آباد، سواء على صعيد رؤيتهما لطبيعة ومسارات الصراع والحرب في الحواضر العربية، او على صعيد هواجس الصدام مع ايران وما قد يلحق بهما من خسائر اذا ما انحازا للمحور العربي، ليس على المستوى الاقتصادي فقط ( خاصة تركيا التي وقعت 6 اتفاقيات مع طهران مؤخرا مما يرفع قيمة التبادل التجاري بينهما الى 30 مليار دولار) وإنّما على المستوى السياسي حيث تخشى الدولتان من دور ايراني في تحريك ملفات الاقليات داخلهما(الشيعة والعلويون)، اما السياق الآخر فيتعلق بحسابات خارجية ، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي والمصالحة التي جرت بين طهران والدول الكبرى ، ذلك ان مصلحة الدولتين (تركيا وباكستان) تتقاطعان هنا مع حصاد المصالحة نظرا لاهمية علاقتهما مع امريكا والدول الاوروبية.
في موازاة ذلك يبدو ان الطرف العربي صدم من الرسالة الباكستانية تحديدا، وبالتالي فان ردود فعله ستنصب في اتجاهين: الاول الذهاب الى ابعد حد في مواجهة ايران من خلال استمرار عاصفة الحزم لاضعاف الحوثيين ودفعهم للقبول بالجلوس على طاولة التفاوض ، وربما نشهد تحولات في الحرب تصل الى المواجهة البرية، بالتزامن مع البحث عن حلول سياسية عبر الوسيط العماني، وعن مظلة دولية من خلال استصدار قرار من مجلس الامن، واعتقد هنا ان هذا الخيار سيأخذ المنطقة كلها الى مواجهة عربية ايرانية غير محسوبة ، يدفع الجميع تكاليفها دون ان يربح فيها احد.
اما الاتجاه الثاني فهو "استثمار" الحياد التركي الباكستاني لفتح قناة مع ايران للوصول الى تفاهمات مع الحوثيين والخروج بصيغة توافق تضع حدا للحرب القائمة، ومفتاحها الاساسي هو اقصاء الرئيس اليمني المعزول، وتشكيل مجلس رئاسي لادارة المرحلة الانتقالية، ويمكن في هذه الحالة ان تتحول عاصفة الحزم من مربع الحرب الى مربع “البناء” للمساهمة في اعادة انقاذ اليمن وترسيم علاقاته مع جيرانها.
على الرغم من ان تراجع باكستان وتركيا خطوتين للخلف يسهم في نزع مخاوف تشكل مواجهة داخل الاطار الاسلامي بين السنة والشيعة، وربما يسحب البساط من تحت اقدام من يريدون لهذه الحرب ان تكون حربا دينية لا سياسية، الا ان احساس الطرف العربي بان حلفاءه خذلوه او تركوه وحيدا في مواجهة امتداد ايران سيعمق الشرخ داخل الاطار السني، وسيبعث برسالة الى طهران مفادها ان الصراع بينها وبين الدول العربية محصور في حدود نفوذهما ، ولن يمتد خارجها، كما ان الاخرين لن يتدخلوا فيه، وبالتالي فان حسمه يحتاج الى توافقات عربية ايرانية، الامر الذي قد يمنح طهران ضوءا اخضر لفرض شروطها او ربما توسيع نفوذها وتدخلها في المنطقة.
المؤكد ان الهدف من الحرب في اليمن هو استنزاف العواصم العربية من خلال دفعها الى مواجهة مع ايران فقط، وعلى ضوء نتائج هذه المواجهة سيأتي الدور لترتيب الاوراق بين “الرابحين” ، ومن ضمنهم تركيا، ومع انني لا أعرف إذا ما كانت اللعبة أصبحت مكشوفة لكافة الاطراف المتورطة في الصراع لكن المؤكد ان منطقتنا تشهد “تصفيات” نهائية في مونديال دموي لن يخرج احد منه بانتصار حقيقي ، لا ايران ولا تركيا ولا العرب، ولهذا فان اقصر طريق لوقف النزيف وتجنب الكوارث القادمة هو “تشغيل” محركات السياسة، وتغليب منطق الحوار والعقل والحكمة على وساوس الانتصار او الانتقام او اعادة عقارب التاريخ للوراء. الدستور