في أوقات الفراغ للدول او الأفراد يظهر البعض ممن يحملون القناعات بان الأمر الهام هو القضايا المجردة من ارقام وأرباح وخسائر ، وتتحول حياه الناس وحتى مسارات الدول الى جداول وبيانات رقمية ونسب مئوية ، لكن هذه المنهجية في التفكير تقف عاجزة عندما تواجه الدولةمشكلة ما حيث تضطر الدولة الى التعامل مع العواطف والتعبئة ، ويكون الحديث عن القيم الوطنية وربما استعادة اسماء رموز وعبارات معنوية ، وعندها يقف اصحاب الجداول والرسوم البيانية عاجزين عن اي فعل ، لان الخسائر الناتجة عن استخدام الأرقام فقط اكبر بكثير من كل الدراسات التي لايعرفون غيرها.
اي دولة تحتاج الى مجموعة قيم ورموز وذاكرة ومعالم ومؤسسات تعبر عن هويتها بل وتحتاجها في ادارة مساراتها ، فالعلم الوطني بلغة أهل الرسوم البيانية ليس اكثر من قطعة قماش تحمل ألوانا قد يعلم دلالتها البعض ، لكن العلم عندما يحمله المقاتل يبعث في نفسه حماسا يجعله يموت دفاعا عن ( قطعه القماش!!) ، لانه في نظره تعبير عن قيمة كبرى وليس مادة مجردة.
والدولة قد تبني متحفا تضع فيه بنادق قديمة او صور شهداء او اثاثا قديمة له دلالات ، ولو دخلها أهل مدرسة الأرقام المجردة فانهم يعتبرونها أغراضا قديمة لاتستحق ان يتم حجز المبنى لاجلها لكنها في ميزان الدول ذاكرة للاجيال ودليل على تاريخ للدولة وانجازات من سبقوا ، وهي التي تزرع الانتماء للمكان والأرض والنظام السياسي للدولة.
مدرسه الأرقام والرسوم البيانية فقط لايمكنها ادارة الدول والحفاظ عليها ، فهي بالنسبة لاصحابها ليست اكثر من عروض لا تختلف عن عروض المطاعم والمولات وايضاً فرص العمل ، لكن وفق هذه المدرسة فان الشهيد شخص غبي لانه يفقد حياته مقابل قيمة دينية ووطنية، ومن يتبرع بماله لغاية وطنية او انسانية دون حسم من الضريبة "هبيلة" لانه يرمي امواله دون مقابل، وأكثر الناس ذكاء العميل المزدوج لانه يقبض اجرا من جهتين ، والجندي الذي يقف ليلا ونهارا يحمي وطنه يعطي الوظيفة اكثر مما نص عليه قانون العمل ، فالاصل العمل بأجر محدد كل ساعة مثل مطاعم امريكا اومحطات الوقود فيها ، لأن اتباع هذه المدرسة لا يعلمون انه لولا تضحية الشهيد لما كانت الحياة آمنة.
ولغة الارقام والرسوم البيانية فقط تفهم ان الجيش او اجهزة الامن استثمار خاسر ، وان شركات الحماية الخاصة افضل، وتعتقد ايضا ان بناء المساجد والكنائس والانفاق عليها انفاق يستحق الترشيد ، فالانسان يمكنه الصلاة والدعاء في بيته، الا اذا كان الطابق السفلي لدار العبادة فيه استثمار مثل سوبرماركت او صالة افراح تنفق على دار العبادة.
الدول تحتاج الى مؤسسات تعبر عن هويتها او تدافع عن قضاياها وتبني اجيالها مثل المدارس والجامعات ومؤسسات الاعلام وحتى النشيد الوطني، فحتى نحن الافراد نرتاح ونفرح ونحن نشاهد صورا لنا في رحلة مدرسية او صورة مع معلم درسنا في الرابع (و) او شهادة تقدير في الصف السادس ، فكيف بالدول التي ان ادار مؤسساتها من لا يترددون في تصفية أي مؤسسة اذا تعرضت لهزة مالية، فمن كان عقله يفكر فقط بالنسب المئوية ، و لا يدرك معنى وجود الرمزية والهوية والمؤسسات المفصلية فانه لا يصلح لأي موقع ولا يحمي دولته ولا يصلح الا محاسبا في مطعم او امثاله. الرأي