هل تعرفون الطبيب الذي عالج أمراض الناس وعجز عن مداواة نفسه ، لقد عرفت بعضهم ، كما عرفت بعضا من حماة الديار الذين خاضوا معارك عسكرية وقاموا بواجبهم بالحفاظ على حمى هذا الوطن وعلى هذه الدولة ثم منهم من قضى نحبه ومنهم من يلازم كرسيه الجاف في ظل بيته يعد الأيام دون أن يتذكره أحد ،أو يروي راوٍ صادق إنجازه أو يسأله مسؤول :كيف الحال ؟ هكذا مرت السنين الطويلة و مطحنة الرجال تدور أضراسها لتطحنهم ، وهذا ما جعل جيلا جديدا من المسؤولين الأغرار يلعبون بالمناصب لحساب مصالحهم ،حتى إذا ما قُذفوا في الشارع لا يندمون حينها على شيء ،فقد حققوا غاياتهم وتكسبوا عبر أشهر أو سنوات قليلة ، ولسان حالهم يقول ،فلتذهب البلد الى الجحيم!
إن فهمتم حالة الطبيب الذي هاجمه الفيروس فعليكم أن تفهموا حالة الصحافة الوطنية اليوم، صحافة الدولة وكبريات الصحف أو «الشيخات» بمصطلح هذا الزمان، الذي يحترم به الخلان, ويحارب فيه الشيخان، فالزميلة صحيفة الدستور لا يخفى حالها على أحد وقد دخلت النفق المنحدر، وبات مئات الزملاء وخلفهم مئات العائلات في مهب البطالة والحاجة والعوز والخوف من مطاردتهم «بنكياً» وقضائيا، لأن الجميع يعلم أن الغالبية من الموظفين في الصحف وغيرها هم رهائن لدى البنوك.
صحيفتنا الأبرز الرأي باتت مستهدفة هي الأخرى، وهي الصحيفة الأقوى والأقدر على خوض «الحرب الباردة» منذ ولادتها، ولا تزال صحيفة الدولة والوطن رغم تقالب الأزمات وتدخل الحكومات وتحالف الكراهيات وسياسات المزاجيات ، وبقيت ولا زالت هي القائدة في الإستراتيجة الإعلامية للدولة وهي الرائدة في كل واجب يفرض عليها ، وهي لسان الدولة، ومع هذا يصر البعض على قطع لسان الدولة وبيع تاريخها وتاريخ الوطن والدولة بثمن بخس مثلها مثل أي قطعة أثاث غير مرغوب فيه ، والتأسيس لحالة من الإستعداء ما بين أبنائها النجباء وصحافييها وموظفيها المخلصين وما بين أساسهم المتين في الدولة والنظام.
لقد قام الزملاء في «الرأي» ومنذ سنوات بتحركات للفت النظر وقرع الأجراس كي يقوم رجل رشيد من «عشيرة الدولة» بسل سيف العدل وإنصاف هذه المؤسسة التي بنيت على أكتاف رجالات الوطن ، وعلى أعتبار أن أبناءها هم من نخبة الصحافة التي تقوم بواجباتها تجاه جميع قطاعات المجتمع وتعالج القضايا في كل بيت ومدينة ومحافظة ومؤسسة ووزارة وحكومة ، وتنقل عنها الصحافة العالمية أخبار وتحليلات عما يجري هنا وعن توجهات الدولة الأردنية ، تلك الصحافة العالمية الغربية التي يقع في غرامها غالبية المسؤولين عندنا ويناصبون صحافتهم العداء.
لقد طرح الزملاء والعديد من الراشدين حلولا للخروج من الأزمة التي تلوح في الأفق، ورغم ذلك تبرز دائما سياسة التسويف وإدارة الظهر للمقترحات.
اليوم يستطيع خبراء الإقتصاد في الحكومة من اتخاذ إجراءات لتجنيب المؤسسة من الاصطدام في الجدار أو مع «الجوار» ،من خلال وقف تحويل الضريبة للخزينة وإعفاء مدخلات الإنتاج من الورق والأحبار وغيرها من الإعفاءات التي تنعّم فيها مستثمرون لم نر خيرهم وذلك لمرحلة بضع سنوات حتى تتعافى، ومعالجة مشروع المطبعة الذي استنزف المؤسسة ، والأهم هو التعامل مع الصحيفة على أسس من الندية لا التبعية، حتى يقوم الزملاء بالعطاء بكل أريحية لينافسوا سوق البضائع الصحفية المقلدة.
إن من يفكر بضرب الصحافة وتحديدا الرأي كحل مريح لعدم مواجهة الأزمات الطارئة فهو يقف في خندق أعداء الوطن ، وهو لا يختلف عمن يروج للجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدا للوطن ، وكمن يتمنى ،حقدا وحسدا، هزيمة جيشنا الباسل ، وهو كمن يحرق البيدر كي يشعل سيجارته ، ولا يمكن في زمن تشكل الصحافة فيه رأس حربة لخوض المعارك السياسية والعسكرية حتى لأي دولة جنبا الى جنب أو أسرع مع الجيوش أن يتمنى سقوط معاقل الصحافة في وطننا، وحتى لا نقول هناك مؤامرة فعلى العقلاء أن يجبروها قبل ان تنكسر، فعشرات الملايين التي تذهب الى جيوب مقاولي الطرق البرية أولى أم مؤسسة عملاقة بحجم الرأي لدعمها ورفع عين القطاع الخاص عنها. الرأي