أزمة دولة وليست أزمة صحافة
ماهر ابو طير
09-04-2015 05:01 AM
عدد من الزملاء الكتاب الصحفيين عالجوا أزمة الصحافة الورقية، وبعضهم ينزع الى البكائيات، وآخرون الى الاستغاثة والاستعطاف.
فريق ثالث يذكر بالخدمات الجليلة التي قدمتها الصحافة على حساب صدقيتها للحكومات، باعتبار ان ليس من الانصاف رد الاحسان، بقلة الاحسان.
والكل ينزع هنا الى تقييمات تلف وتدور على الحقيقة، ولا أحد يريد ان يذهب مباشرة الى جذر الملف، وعمقه، ومابين زميلنا حلمي الاسمر الذي يقول ان الازمة ناتجة عن سوء تقدير وليس سوء نية، وهو مخطئ، لانها ناتجة عن سوء نية، وزميلنا حسين الرواشدة، الذي يكتب بروحية عاطفية، قوس من الظلال، وهو ايضا يبالغ بأهمية رفع الروح المعنوية.
مظاهر المشكلة ربما تتعلق بذات فهم الصحافة لدورها بـاعتباره مجرد صبي يخدم الحكومات، في زمن يميز الناس فيه الصدق من الكذب، ومظاهر المشكلة ايضا ان الصحف الورقية لم تتنبه مبكرا الى التغيرات في الصحافة الورقية في العالم، وهي ايضا، حملت اعباء كبيرة جراء الانتاج، وواجهت ظروفا صعبة في الاعلان والطباعة.
كل هذا من مظاهر المشكلة. لكن المشكلة نفسها تكمن بشيء آخر تماما، مختلف عن تشخيص اعراض امراض المهنة ومؤسساتها ومن فيها، والفرق كبير بين مظاهر المشكلة والمشكلة ذاتها.
المشكلة ذاتها تتلخص بذهنية الدولة التي تغيرت كليا، وهي ازمة دولة وليست ازمة صحافة، ازمة دولة تتفرج على كل ما تمّ تأسيسه وبناؤه طوال عقود، وهو يتساقط يوما بعد يوم، من المستشفى الى الصحيفة مرورا بالشارع والغابة، ولدينا قائمة طويلة من اسماء المؤسسات ومن الرجالات والانجازات، ومن الموروث على اصعدة عدة، وتم التعامل مع كل هذا مثل اصنام التمر في الجاهلية، اذ تتم اقامتها، ثم أكلها واحدا تلو الاخر، دون ان يرف جفن لاحد.
ليست قصة صحافة، هي قصة الدولة التي تأكل مؤسساتها وابناءها وخبراتها وارثها، ولا تفكر لا بقلب ولاعقل، والقصة لاتقف عند الصحف التي تتسول على اعتاب الحكومات اليوم، فلدينا الاف الامثلة لمواقع ولاشخاص ولاسماء ولمؤسسات، تم حرق ارثهم، والدوس عليهم، باعتبار ان هذا الزمن ليس زمنهم، بل ان بعضهم خدم البلد اكثر من الف مؤسسة صحفية، فجاء من يركله، لانه لايحبه فقط، فهي ازمة دولة فعليا، باتت لاتؤمن بشيء، وقد نصل الى مرحلة يتم فيها خصخصة قبور الشهداء، عبر اي شركة، لان لاشيء مهم ابدا.
حين تتحول الدولة الى قطة تأكل ابناءها حين تجوع، فـإن العيب لحظتها ليس في القطة الجائعة، بل في اولئك الذين لم يتنبهوا مبكرا الى ان ذهنية الدولة باتت عابرة..ذاكرة عابرة..لاتقف عند اسم ولامؤسسة ولادور ، وذات الحكومات التي تستعمل الصحافة لاغراضها، حين تكون رابحة، ترتجف اوصالها، حين تخسر هذه المؤسسات، فتصير مجرد شركات، لايمكن تمويلها ولامساعدتها.
هي ذهنية الدولة ايضا، حين ينقطع الحبل السري، بينها وبين طبقاتها، ولايأتي من يقول، اننا نفقد كل ما يخصنا..كل ما بنيناه..عبر عقود، والسبب ان بعضنا لم يكن شريكا في التأسيس والبنيان، وبالتالي لا يقدّر قيمة ما هو امامه ولا معنى الخسران.
ليس من حق احد هدم كل هذا البناء، الا اذا كانت هناك رغبة دفينة بمحو وجه الاردن، وطمس ملامحه، بحيث يتحول الى «وطن بلا» هوية سياسية، بلا هوية اعلامية، بلا خطة اقتصادية، وبلا روح جمعية وطنية..توطئة إلى
«شعب بلا مستقبل».
هي أزمة دولة وليست أزمة صحافة!.
الدستور