انا خائفٌ جداً من تفشي وانتشار الفكر التكفيري المتطرف بين ظهرانينا، ولخوفي هذا عدد من المصادر والاسباب، اولها هي طريقة تعاملنا مع هذا الفكر، الذي صار يُشكل خطراً وجوديا يضرب المنطقة، وله جيوش ومؤسسات وحواضن، ومع ذلك فاننا نتعامل معه باسلوب الفزعة التي يتنادى فيها الناس في لحظة حماسة لدفع خطر يتهددهم، او تقديم عون لمحتاج، ثم سرعان ما تفتر هممهم، ويعود كل منهم الى شأنه الخاص، غير مدركين بأن الخطر الذي هبوا لدرئه في لحظة حماس مازال قائما، وهي حالة تكررت لدينا كثيرا، ومن الامثلة عليها اننا «فزعنا» بعد تفجيرات عمان «فزعة وطنية» كبيرة، كانت حديث العالم كله، لكن لم يمض طويل وقت حتى فترت هممنا، ونسينا الأمر، فتمدد الفكر التكفيري بيننا وخطف المزيد من شبابنا الى ساحات القتل، وآخرها العراق وسوريا، بل لم يعد الأمر امر تهجير شبابنا الى ساحات القتل، بل تعدّاه الى تهديد معلن لأمننا واستقرارنا، حتى صار جيشنا واجهزتنا الأمنية في حالة استنفار دائم، لحماية حدودنا واستقرارنا الداخلي، بعد ان تكررت محاولات اختراق الحدود وزعزعت الاستقرار الداخلي من التكفيريين الذين أُحرق على ايديهم شهيدنا البطل معاذ الكساسبه، الذي كانت «فزعتنا» كبيرة اثر استشهاده، وهي فزعة نأمل ان لايكون مصيرها كمصير سابقاتها من فتور الهمم حتى يوقظنا على الخطر ما لا يحمد عقباه لاسمح الله.
ولأننا نتعامل مع هذا الخطر الوجودي حتى اللحظة باسلوب الفزعة، فقد غاب التنسيق عن الجهود التي تُبذل لمحاربة هذا الخطر، وهذه حقيقة يلمسها كل من يتابع ويدقق في الأنشطة المبذولة على هذا الصعيد، حيث يكتشف الحجم الكبير للتكرار فيها، مما يعني تكراراً في الجهد والمال والوقت والأخطاء.
غير غياب التنسيق الناتج عن اسلوب الفزعة الذي نتعامل به مع خطر التكفير، فبسبب هذا الاسلوب اختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، وتحول الأمر الى هرج ومرج يدلي به كل بِدلوه ويهرف بما لا يعرف، مثلما صار مجال تكسّب ومتاجرة.. وهذا خطر كبير لأنه يقدم خدمة حقيقية للتكفيريين.
وعلى ذكر التكرار احب ان اشير الى سبب ثانٍ من اسباب خوفي، يتمثل في تكرار اسلوبنا في التعامل مع القضايا الخطيرة والمفصلية وابرز علامات هذا التكرار ما نشهده في المؤتمرات التي تحولت الى غاية في ذاتها، بدلا من ان تكون وسيلة واداة لحل المشكلة التي من اجلها يُعقد المؤتمر، ومنها مشكلة التكفير وقضيته التي عقدت ومازالت تعقد في سبيلها الكثير من المؤتمرات، في العديد من العواصم، غير ان الملاحظة البارزة في هذه المؤتمرات انها تأخذ طابع المهرجان الخطابي، الذي تحشر فيه الكلمات حشراً بهدف ارضاء جموع المشاركين، مما يصبغ هذه المؤتمرات بصبغة العلاقات العامة، فتفقدها اثرها وتأثيرها، علماً بان اثر هذه المؤتمرات لا يتعدى القاعات التي تعقد فيها في معظم الاحيان، وكأن المشاركين فيها جاءوا من باب إبراء الذمة او للقاء الاصدقاء والأحبة، وكفى الله المؤمنين القتال.
يقودني الحديث عن المؤتمرات وطبيعتها الخطابية، الى الحديث عن سبب ثالث من اسباب خوفي من خطر تفشي الفكر التكفيري بيننا، يتمثل بطبيعة الخطاب الذي نواجه به هذا الفكر، فهو حتى الان خطاب انشائي وصفي، يكتفي بتكرار وصف التنظيمات التكفيرية باوصاف عامة مثل: الإرهاب والإجرام والقتل وتشويه صورة الاسلام، وهذا كله صحيح.. لكنه غير كافٍ، خاصة وانه يصبح من كثرة التكرار مملا رتيباً، يجعل الناس يديرون ظهورهم له لذلك فإن المطلوب تطوير خطابنا في مواجهة التكفير بنقله من مرحلة العموميات، ومرحلة شحن العواطف، الى مرحلة التخصص التي يتم من خلالها تفكيك المكونات الفكرية التي يرتكز عليها التكفيريون، لتوضيح حجم تشويه هؤلاء التكفيريين لحقائق الاسلام ومن ثم السعي لبناء قناعات فكرية لدى شبابنا تحصنهم من الوقوع في حبائل الفكر التكفيري وشباك تنظيماته. وهذا امر يحتاج الى خبراء واهل اختصاص، فمثلما يحتاج الحزام الناسف الى خبير متفجرات لتفكيكه، فإن الفكر التكفيري الذي يستخدم الحزام الناسف يحتاج هو الاخر ايضا الى خبراء لتفكيكه، وهو ما لم يحدث حتى الان، فجل الذي حدث ويحدث هو كلام عام لا يفكك مفاهيم من جهة، ولا يبني قناعات من جهة ثانية، ولا يحصن اجيالاً من جهة ثالثة.
سبب رابع من اسباب خوفي من تفشي ظاهرة الفكر التكفيري هو: إن نسبة عالية من الذين يتصدون لمحاربته، خاصه من خلال المؤتمرات التي تعقد في الفنادق والقاعات الفارهة، والتي تتكرر فيها وبنسبة عالية نفس الوجوه، ومن ثم يتكرر نفس الكلام هم من اسباب تفشي ظاهرة الارهاب والفكر التكفيري، فلو قام هؤلاء بواجباتهم وأدوا مسؤولياتهم كوزراء للاوقاف او الثقافة او الشباب–كل في بلده- لما تمدد الفكر التكفيري في اوساط شباب الأمة، ومثل هؤلاء كذلك القائمون على أمر الجامعات والمنظمات الأهلية، فمقاومة خطر التكفير ليست مسؤولية فريق دون فريق.. لكنها مسؤولية وطنية مشتركة يقع عبء القيام بها على الجميع، كل في موقعه على قاعدة «كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» و قاعدة «فلا يؤتينّ من قبلك».
كثيرة هي اسباب الخوف من استمرار وتعاظم تفشي ظاهرة الفكر التكفيري، مثلما حدث في الفترة الممتدة من تفجيرات عمان وحتى استشهاد معاذ الكساسبه، غير ان اخطرها اننا نعمل باسلوب الفزعة، وهم يعملون بصبر وأناة، كفانا الله شرهم. الرأي