عندما يخلو الشعار من مضمونه
شحاده أبو بقر
07-04-2015 09:10 PM
في أدبياتنا السياسية الشعبية ، يرفع الكثيرون شعارات عده ، من مثل ، نموت ويحيا الوطن ، أو ، بالروح بالدم نفديك يا وطن ، إلى غير ذلك من الشعارات الحماسية التي تكثر في المناسبات ، وبالذات عند الإحساس بخطر ما يتهدد الوطن ، وبالطبع ، فإن ذلك يعني نظريا ، أن رافع الشعار مستعد عمليا لأن يموت من أجل سلامة الوطن ، وبقائه حرا منيعا عصيا على التحديات .
هذه الشعارات وغيرها ، تعني عندما تكون جدية تحمل معانيها ، ان الوطن وبإعتباره قيمة عامه ، يتقدم في الاهمية عند رافع الشعار ، على نفسه وحياته ، ولهذا ، فإن اية سياسات أو إجراءات أو قرارات حكومية هدفها سلامة وقوة الوطن كقيمة عليا ، وحتى لو كانت ضاغطة على قدرات المواطن الماديه ، يفترض منطقيا ، ان تكون مقبولة ومتحمله ، لا بل وتحظى بدعم المواطن ، ما دام هدفها سلامة الوطن ، وإلا فأن الشعارات المذكورة التي تعني التضحية حتى بالروح من اجل الوطن ، تفقد قيمتها وتغدو مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق ولا صدقية فيها .
أدرك أن هذا كلام لا يعجب الكثيرين الرافضين للسياسات الضاغطة على أحوالهم المعيشية ، عندما يتعلق ألامر بأرزاقهم وبالاسعار وفرص العمل وغير ذلك من شؤون الحياة ، وهنا لا بد من تذكيرهم بالشعارات ذاتها ، فكيف يستقيم إفتداء الوطن بالروح عندما يكون في خطر داهم ، مع رفض ومعاندة سياسات حكومية محلية ، هدفها صون سلامة الوطن أمام تحديات ماثلة للعيان ، كل منها يهدد تلك السلامة وينذر بالخطر ومن كل جانب .
لا أناقش منهجية حكومة أو حكومات بعينها ، وأدرك تماما أن الحكومة القائمه ، أتخذت إجراءات عديدة ضاغطة على قدرات الناس وأنا أولهم ، وبصورة قاسية في كثير من ألاحيان ، لكنني وغيري ، ندرك في المقابل ، أن سلامة العملة الوطنية متحققة بحمد الله ، وأن حجم الاحتياطي من العملات الاجنبية عال بحمد الله ، وأن آفة الفساد المالي لم تعد موجودة إلا في أدنى حدودها المتعارف عليها ، في اكثر مجتمعات الارض نزاهة بحمد الله ، وأن الامن الداخلي متحقق وفي تحسن مستمر بحمد الله ، وعلى نحو نادر الحدوث ، قياسا بمعاناة الناس المعيشية ، وبالظروف المحيطة الصعبة ، وبالظروف المريرة الناجمة عن معضلة اللجوء الكبير ، وهذا الامن المستقر ، هو نعمة كبرى تأتي ثانيا بعد نعمة القوت ، بترتيب رباني عظيم جاء فيه ً الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ً ، وأدرك كذلك ان العون الخارجي نادر ومتعذر في كثير من الاحيان ، وأن إحداث التنمية في أوقات الشدة ، يصطدم بمعوقات شتى ، وأن العين بصيرة واليد قصيره ، وأن سلامة رأس المال في أوقات الحروب ، هي رأس المال ، فمن يتدبر شؤونه ويخرج من الكوارث سالما ، يحسب له ذلك إنجازا مهما ومطلوبا .
نعم لم ولن أدافع عن حكومة أيا كانت ، لكنني الاحظ وغيري ، ان الشفافية على صعيد الاجراءات المحلية ، متحققة وعلى نحو جيد بحمد الله ، وأن حرية الصحافة قياسا بالعالم الحر ، جيدة بحمد الله ، وان بمقدور كل صاحب حاجة ان يتظلم باعلى الصوت ، دون ان يردع او يعاقب كما هو الحال في إقليمنا بحمد الله ، وأن جميع الخدمات متوفرة بحمد الله ، حتى لو كانت كلفتها عالية احيانا ، وان الاستشفاء والعلاج متوفران بحمد الله ، وان السواد الاكبر من الناس مؤمنون صحيا ، ومن كان غير ذلك ، فالسبل مفتوحة له كي يحظى بالإعفاءات المطلوبه ، وان الرسوم الجامعية على إرتفاع قيمها ، يمكن لغير المقتدر تدبرها بالمنح والقروض الميسرة والمساعدات وغيرها ،وأن سوق العمل لمن يريد حقا ان يعمل مفتوحة ، وان صناديق الاقراض الميسر متعددة بحمد الله لمن يريد ان يكون له مشروعه الخاص ، بمعزل عن البحث عن وظيفة حكومية لا تسمن ولا تغني من جوع ، هذا إن كانت متوفرة أصلا في جهاز حكومي يكاد يختنق لكثرة العاملين فيه .
يمكن ان نعدد إيجابيات اردنية عديده ، قياسا بإقليمنا ومحيطنا ، لكننا نحجم كي لا نكون كمن يسوق لحكومة او حكومات بعينها ، وبيننا الله جلت قدرته ، فالغرض هو فقط بيان حتمية ان نشكر الله وان لا نتعسف ، فالحكومات ليست اجسادا من نور وحاشا ان تكون ، وكلنا نعتقد بأن بإمكانها عمل المزيد وما هو أفضل ، ولكن يبقى الوطن حقا ، قيمة تسمو على كل الحكومات والاشخاص ايا كانوا ، وهو اليوم في خطر يفرضه واقع إقليمي مر ومرير ، ومطامح ومطامع اقليمية ودولية شريره ، وعلى نحو يجعل المنطقة العربية كلها ، أشبه ما تكون ً طعه وقايمه ً ، لا تعرف ً ديانها من المطالب ً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهنا تقفز الحاجة كي يسأل المحتجون الدائمون انفسهم ، عما إذا كانوا مستعدين حقا للتضحية وإفتداء الوطن بارواحهم ، أم هي مجرد شعارات ترفع في مناسبات ، ولا وزن لها عندما يحضر الميزان ، والله من وراء القصد .