يعقوب زيادين .. أصحاب المبادئ لا يموتون
اسعد العزوني
07-04-2015 04:14 PM
شاءت قدرة الله أن يوارى جثمان المناضل الإنساني المبدئي د.يعقوب زيادين الثرى عن عمر ناهز الخمسة وتسعين عاما قضاها دفاعا عن الإنسانية وإنتصارا للمظلومين ، وبالمقابل قدر الله سبحانه وتعالى أن تبقى روحه الطاهرة تتخذ من الثريا عرشا لها ، فالرجل لم يكن ككل الرجال ، لا خلقا ولا تمسكا بالمبادئ ولا ممارسة سياسية ، فقد كان عدو التلون والإنتهازية ، وإزدواجية المواقف ، سرها وعلانيتها ،بل كان صلدا لا تهزه الريح مهما كانت عاتية ، وكان يفعل قبل أن يقول ، لذلك كان المثال الحسن والقدوة الصالحة والعنوان الصحيح للإلتزام.
ولد وتربى مناضلنا المرحوم د.يعقوب زيادين في قرية السماكية من الكرك جنوب الأردن الصامد في وجه التهميش والفقر ، وهو من إخواننا النصارى بطبيعة الحال ، وقد درس الطب وأصبح طبيبا لكن ليس ككل الأطباء الساعين لزيادة الرصيد وإستغلال المرضى ، والغريب في الأمر أنه قرر التوجه إلى القدس إبان كانت تحت الحكم الأردني في ظل وحدة الضفتين بعد نشوء "مستعمرة "إسرائيل ، وضمها للساحل الفلسطيني .
كانت نية الدكتور زيادين الترشح في الإنتخابات النيابية عن المقعد المسيحي ، والمفروض أنه كان غريبا عن القوم هناك ، ومناقضا لهم في أفكارهم كونه كان شيوعيا ماركسيا ، لكنه لم يكن في واقع الحال غريبا في القدس ، فقد أحبه المقدسيون وكأنه واحد من هم ، كما انه لم يكن شيوعيا مثل بقية الشيوعيين ولا ماركسيا كبقية الماركسيين العرب ، وهذا ما أهله للفوز في البرلمان الأردني في إنتخابات عام 1956، وضرب مثلا في الولاء والإنتماء والأداء والإستقامة ، لكنه وبسبب القانون الأمريكي لمكافحة الشيوعية المعمول به في الأردن آنذاك والذي جرى إقراره في أمريكا في الرابع والعشرين من شهر آب عام 1956 ، لمكافحة المد الشيوعي في أمريكا والمساحات التابعة لها ، أصبح من رواد السجون والمعتقلات ، لكنه كان كلما يدخل السجن ، يخرج منه أكثر تجذرا من ذي قبل ،وأكثر إلتزاما بالمبادئ والأهداف .
مهنيا كان د.زيادين من الرواد والساعين لإدخال الفرحة والبسمة على وجوه مرضاه والبائسين الذين لم يتوفر لديهم ثمن الكشفية والعلاج ، وكان يقدم ذلك مجانا وبنفس طيبة لمرضاه ، كما أنه كان ملتزما أخلاقيا وإجتماعيا الأمر الذي عمق حبه في نفوس ناخبيه وجمهوره الذين كانوا يتعاطفون معه عمليا .
حتى في أيام مرضه الأخيرة ، كان متقد الذهن ، يبتسم لزواره وضيوفه ،ويطمئن عليهم مع أنهم جاؤوا للإطمئنان عليه ، وكان يصر على تقديم الشكولاته الفاخرة لهم ، كما انه كان حاضر الذاكرة ولم ينل منه المرض ، وكان رحمه الله يتألم كثيرا لكن ليس من الألم وحالته الصحية المتدهورة ، بل من الأوضاع السياسية في الوطن العرب وسقوط الذين كان ينظر إليهم رموزا ،وخاصة من رفاقه السابقين الذين سقطوا في فخ التمويل الأجنبي وتحديدا الأمريكي.
كان شيوعيا ماركسيا نعم ، لكنه كان مثالا للإلتزام بقضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وكان من دعاة الكفاح المسلح وضد الإستسلام "لمستعمرة " إسرائيل ، مخالفا بذلك طبعة الشيوعيين والماركسيين العرب المزورة الذين إتحدوا مع ما يطلق عليه اليسار الإسرائيلي.