تبدو الحلول المطروحة نظريا لإصلاح التعليم العالي أكثر تعقيدا من المشاكل ذاتها، ولست أبالغ إذا قلت إن معظم ما سمعناه من المختصين الذين حاولوا وضع أيديهم على الاختلالات الموصوفة منذ عشر سنوات، وقدموا مقترحات لحلها، لا يشكل منطلقا عمليا قابلا للتطبيق على أرض الواقع.
وذلك لا يقلل من قيمة تلك المقترحات أو سلامتها، ولكنها باختصار لن تجد من يحولها إلى خطوات تنفيذية في أمد قريب، فحين تقدر بعض تلك الدراسات عدد الطلبة الجامعيين بحوالي ربع مليون طالب وطالبة في مرحلة البكالوريوس، وتقرر أن هذا العدد كبير، فإنها تقترح على الفور تخفيض العدد، ولكنها لا تقترح في المقابل رفع الرسوم حين تتحدث عن العجز المالي في الجامعات الرسمية، أو عن الأعداد الهائلة من الموظفين الإداريين!
هناك مقترح ينادي على سبيل المثال بتوجيه ما نسبته 40 بالمئة من خريجي الثانوية العامة للالتحاق بكليات «بوليتكنيك» وهذه الكليات ليست موجودة في المستوى المأمول، وبالتالي يجب العمل على استحداثها! والسؤال الأهم هنا هو كيف سنضمن تشغيلهم بعد ذلك؟
يقال أيضا إن نسبة البطالة بين خريجي الجامعات تفوق العشرين بالمئة من الذكور وتسعة وأربعين بالمئة في الإناث، والسؤال مرة أخرى هل لدينا خطة موضوعية ومنطقية للربط بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل؟ والجواب الحاسم هو «لا»، لكننا نتحدث عن هذه المسألة ليل نهار!
وهناك الكثير مما لا يتسع له هذا المقال، وفي ظني أن المشكلة آخذة في التعقيد ما دامت الحلول غير قابلة للتطبيق، وبالتالي نحن أمام أزمة بحاجة إلى وقفة حازمة لكي لا تتفاقم الأزمة التي تظهر بعض بوادرها المؤسفة في العنف الجامعي الذي يكمن أحد أسبابه الكثيرة بشعور الطلبة بالضياع وانسداد الآفاق أمامهم.
لست أقلل من شأن قدرتنا على معالجة الأزمة، ولكنني أعتقد أننا لم ندرك بعد خطورتها، وقد حان الوقت لكي نراجع طريقتنا في تحليلها، وأن نحشد من أجل ذلك طاقات جميع الجهات المعنية في نطاق استراتيجية وطنية متكاملة، يتحمل كل طرف نصيبه منها، فما نواجهه اليوم ليس مجرد مشكلة تتعلق بمستقبل التعليم العالي وحسب، إنها مشكلة تتعلق بمستقبل الدولة وقطاعاتها المختلفة، لأنها مرتبطة بمصير جيل بأكمله! الرأي