في ظل الاستدارة الكاملة لأمريكا تجاه إيران وبعد الاتفاق سراً مع إسرائيل كما يبدو لاستبدال سياسة المناكفة والتصعيد معها، وشيطنتها وإسرائيل من جانبها بهدف الالتفاف على مشروع إيران النووي السلمي وضمانة عدم تحوله إلى عسكري يهدد امن إسرائيل أولاً وهي (الدولة) التي بدأت تطالب بضمان أمن وجودها وسط المنطقة الشرق أوسطية في الاتفاق النووي (5 + 1) رغم تجاوزها لحدودها غير الشرعية عام 1948 التي اتفقت عليها مع الأمم المتحدة وحددتها بداية بقوة السلام الذي لم يمتلكه العرب وقتها عندما وقعت النكبة والنكسة، وبعد إزاحة صفة الإرهاب أمريكياً عن (حزب الله) والدعوة لمحاورة دمشق بدلاً من التخطيط للانقضاض عليها بقوة حلف (الناتو)، نلاحظ أن أمريكا تقف من جديد خلف القرار السعودي السياسي والأمني والعسكري للتصدي للحراك الانقلابي الحوثي المدعوم من إيران والقابل للانتشار خارج الحدود بمسميات شيعية جديدة ومن الرئيس السابق علي عبدالله صالح الطامح للعودة للسلطة من خلال نجله (أحمد) والحرس الجمهوري السابق أو من خلال حزب المؤتمر الشعبي العام والله أعلم بكل تأكيد.
والغريب في الأمر هنا بأن أمريكا التي ساندت بالأمس الانقلاب البندري في أوكرانيا برئاسة بيترو باراشينكا ولا زالت رغم عدم شرعيته وقانونيته وحتى انتخابه، نجدها تقود بكل ما تملك من بوارج بحرية وسلاح جو الحرب على الحوثيين الانقلابيين الذين يهددون أمن واستقرار السعودية ودول الخليج بعد تعاونهم مع تنظيم القاعدة الإرهابي، وتشجع السعودية ومصر ودول التحالف العربي المنعقد للتو في شرم الشيخ، وكذلك الأجنبي مثل تركيا والباكستان على المضي قدماً في التصدي للصعود الحوثي إلى السلطة بجهود عاصفة الحزم في قوت هي فيه مهتمة في قصف وتدمير عصابات (داعش) المجرمة في العراق وسوريا مع عدم تفرغها حتى الساعة لدحرهم في ليبيا، وتركها لجبهة النصرة كذلك للجيش الحر السوري ومعهم (داعش) في دمشق يسرحون ويمرحون بهدف إسقاط الأسد، وهنا يمكننا تفهم حضور (الفيتو) الروسي المانع لذلك – والمساند بقوة إلى جانب إيران و(حزب الله) للدولة السورية وأسدها المواجهة لكافة قوى الإرهاب والتطرف في نفس الوقت.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو هل التيار الحوثي الخارج من رحم المذاهب كما (داعش) و(النصرة) وغيرهم من حركات التطرف والتعاون مع المد الفارسي والهلال الشيعي ذات الوقت والمسنود معنوياً من (حزب الله) و(دمشق) بريء ويشكل فعلاً حركة تحرر ضد الظلم والفساد والديكتاتورية في اليمن أم أنه يطمح إلى جانب فصائل التطرف إلى تغيير وجه المنطقة والانقلاب عليها وطلائها بالعنف والخراب والدمار؟ ومن ثم كيف يحلو لدمشق و(حزب الله) إسناد الحوثيين دعاة الفوضى والخراب في عمق الخليج والسعودية، بينما هما يحاربان إلى جانب روسيا تطرف الداخل السوري من (داعش) و(النصرة)، وتدعو روسيا ذات الوقت اليمن إلى الحوار الداخلي وترطيب الأجواء مع السعودية؟ أم أن عدم وقوف السعودية والخليج مع نظام دمشق في محنته وأزمته الدموية هو السبب؟
ولقد بدأت مشكلة اليمن مع الحوثيين عام 2003 عندما قوبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في محافظة صعداء بشعار (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصرة للإسلام، وهو الشعار الذي ورفعه ظاهراً (أنصار الله) وقوبلوا باعتقالات في صفوفه واعتقال قائده ومؤسسيه حسين بدر الدين الحوثي، علماً بأنه وحزبه سبق لهم وأن وقفوا إلى جانب الرئيس المخلوع صالح في محنه السياسية السابقة الأمر الذي توجب عليه أن يرد لهم الجميل أمام همجية تحالف (الحزم) بقيادة السعودية عليهم في اليمن.
وإذاً لأمريكا رأي ولروسيا رأي آخر في المسألة الحوثية إن صح التعبير، وبينما هي أمريكا تميل لسياسة (الكابوي)، والقفز من فوق الجدران، نجد بأن روسيا تدعو للحوار وترسيخ مبدأ الديمقراطية في اليمن وعلى خارطة العالم، وبينما هي أمريكا لا زالت تحلم بأنها تقود العالم من غرفة القطب الواحد نلحظ بأن روسيا تنفذ سياسة مهذبة تعكس تمسكها بتعدد أقطاب العالم وتوازنه، في الزمن والقرن الواجب أن تنتهي فيه الحرب الباردة المقتنعة روسيا بأن أمريكا تقودها بينما تقول أمريكا بأنها ميراث روسي سوفييتي مشترك، والسعودية التي تمثل ثاني أكبر قطب عربي بعد مصر وتواجه التمرد الشيعي تتحرك باسم معظم العرب وتشكل ثاني هجمة عربية على الزحف الفارسي بعد الحرب العراقية – الإيرانية التي قادها شهيد العرب الرئيس الراحل صدام حسين 1980–1988 مع فارق الاتساع في المشاركة من قبل جهات التحالف وسبب الحرب الأولى التي استهدفت الحدود والبترول والبحث عن مخرج مائي بالمقارنة مع الحرب الثانية الحالية التي قصدت أمن واستقرار كافة دول العرب خاصة الثرية منها.
والمملكة العربية السعودية اليوم قطب سياسي ديني واقتصادي عربي هام يتزعم العالم السني ويقف بصلابة في وجه الغزو الفارسي ويحافظ على العروبة، وفي المقابل توجد حساسية تاريخية بين طهران والرياض على زعامة العالم الإسلامي الواجب اعتباره دائماً عالماً واحداً، وعدم قبول الرياض ببقاء مركز قيادة وكالة الأنباء الإسلامية الدولية سابقاً في طهران والإصرار على نقلها من جديد إلى الرياض، ففي السعودية تتجمع أهم المقدسات الإسلامية في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي أرضها ثاني اكبر احتياطي بترولي في العالم (267) مليار برميل أي بعد فنزويلا التي تملك (297) مليار برميل، وتنافس بترولي شديد بين إيران والسعودية على أسعار التصدير ووسط دول أعضاء (الاوبك) أيضاً وعرض بترولي إيراني مجاني سابق على الأردن لمدة ثلاثين عاماً قادمة مقابل تطبيق العلاقة معه، والمعروف عبر التاريخ ومنه المعاصر بأن أهم أسباب اندلاع الحروب في المنطقة هو الاقتصاد والعالم يراقب، ولا مخرج لنا نحن العرب سوى الوحدة الفعلية على كافة المستويات ومن أهمها الاقتصادية، والوحدة، وبالوحدة كخيار إستراتيجي وهنا أدعو لتحييد المدنيين عن إلحاق الضرر بهم في اليمن الشقيق من قبل الطرفين المتحاربين، حيث يوجد فرق بين استهدافهم عشوائياً وبين هدف الوصول إلى إفشال الانقلابيين الحوثيين خاصة وأن شعب اليمن هم أهلنا أولاً وأخيراً بكل تأكيد وكلنا عرب.