العيش في "شظف" ليس بحد ذاته مشكلة كبيرة، ذلك أن فقراء الأردن أثبتوا قدرتهم على تجاوز "مصاعب هذه الآفة" التي عصفت بحياة فئة كبيرة منهم.
وكثيرا ما يتغلب الفقراء على فقرهم ويعزون أنفسهم بقولهم إن "الفقر ليس عيبا" وأن "كل الناس فقراء إلى الله عزوجل مهما رصدوا في حساباتهم البنكية من مبالغ قد تكفي أحفاد أحفادهم"، وهذا ما أتفق معه ولا يختلف معه عاقل، فالفقر من عند الله الذي خلق البشر مستويات حتى يتكامل الكون الذي فيه القوي، والضعيف، والغني، والفقير.
لكن واجب هذا الفقير الذي لا حول له ولا قوة على الحكومة أن تساعده، لا أن تقف ضده وتعصف بحياته فتكون "هي والفقر والزمان عليه".
وهذا للأسف حال أبناء وادي عبدون الذين استملكت أمانة عمان الكبرى 117 مسكنا من مساكنهم لشق شارع يمتد حتى تقاطع مرج الحمام على طريق المطار دون أن تقرر تعويضات "عادلة" تتفق مع غلاء الأسعار الذي يجتاح سوق العقار عقب تحرير أسعار المحروقات.
هؤلاء السكان "فقراء" يكدون ليل نهار من أجل تحصيل لقمة العيش، فكيف سيجمعون ثمن شقة تؤويهم حال كفاية التعويضات لشرائها، سؤال مطروح على المؤسسة الخدمية الأكبر في المملكة التي تؤكد دوما أنها "تأخذ بعين الاعتبار الجانب الإنساني في قراراتها".
قبل أيام هاتفتني سيدة فاضلة، تدعى أم سعدي، وسألتني بمرارة إن كانت التعويضات قد صرفت أم لا، ومتى سترحل من منزلها الذي أمضت فيه 22 عاما من عمرها، ثم حاولت أن تشرح بإسهاب معاناتها الشخصية، فالسيدة أم سعدي أرملة وتعيش في منزلها المكون من طابقين مع أبنائها الأربعة، وأحفادها الأربعة وزوجة ابنتها.
هذا تصور مبدئي لهذه العائلة الممتدة، ثم إن أبنائها يعملون موظفين في شركات قطاع خاص، ولا يتجاوز راتب الواحد منهم 160 دينارا تعبت كثيرا في تربيتهم، وهي تعمل وتكد على آلة الخياطة حتى تراهم على هذه الصورة.
ولأم سعدي فلسفة في الحياة، فهي على حد تعبيرها "رفضت الذهاب لصندوق المعونة الوطنية عقب وفاة زوجها وعملت ليل نهار حتى تربي أبنائها وتعلمهم".
هذه السيدة تستحق أن تكافأ، وتحترم لا أن تقرر أمانة عمان الكبرى استملاك منزلها وتعويضها بمبلغ 27 ألف دينار عن بيت مكون من طابقين، ولكن "هذا ما جرى" على حد تعبيرها.
كيف ستعيش هذه السيدة مع أفراد عائلتها؟، وهل يكفي هذا المبلغ لشراء شقة؟، وأين سيعيش ابنها المتزوج؟ وهل سيكفي راتبه لاستئجار شقة؟، كلها أسئلة لم أجد لها جوابا إيجابيا.
عقب اتصال السيدة أم سعدي اتصلت بمدير الاستملاك في الأمانة المهندس أحمد العرموطي الذي اتفق مع موقف السكان وقال لي بالحرف الواحد إن "الوضع لن يكون سهلا عليهم وأن قرار الترحيل بات قاب قوسين أو أدنى حيث سيتم ترحيل السكان قبل شهر آب المقبل".
وبرغم ذلك كله تؤكد الأمانة، على لسان أمينها المهندس عمر المعاني أن تعويضات الاستملاك الذي أقر عام 1990، "عادلة جدا"، معتبرا أن الأمانة "غير ملزمة بدفع التعويضات بما يناسب الأسعار الحالية" ولكن وانطلاقا من دورها الإنساني فقد طبقت نظاما ماليا من أجل مساعدة هؤلاء السكان.
وبموجب هذا النظام، فقد خيرت الأمانة السكان المفرزة أراضيهم بأخذ متر مقابل متر من الأراضي التابعة لخزينة الدولة في منطقة الجويدة كتعويض أو الحصول على تعويض مالي من الأمانة.
ما حصل لهؤلاء السكان "مظلمة"، فهم ضحايا لسياسة "خاطئة"، فعلى فرض أن قرار الاستملاك سليم، ويستهدف المصلحة العامة، لماذا لم يتم ترحيل هؤلاء السكان عام 1990 ولماذا تم ترحيلهم الآن؟ وهل يدفع هؤلاء ثمن أخطاء غيرهم ويحصلوا على تعويضات قليلة ثم تؤكد الأمانة أنها "غير ملزمة بدفع قيمة تعويضات تمكنهم من عيش كريم"! فلهم الله "فقراء عبدون".