الأردن على الطاولة الرئيسة
05-04-2015 04:36 AM
في قراءة للتاريخ ومنذ خمسينات القرن الماضي وبعدما تكاملت فحولة بعض الأقطار العربية التي لعبت دورا مهماً في الصراع العربي الداخلي والإقليمي كان الأردن أشبه «بالبرغي» في ماكنة التشغيل السياسي لا يمكن الاستغناء عنه، رغم حالة الاستعداء من بعض الأنظمة العربية فإن الأردن كان واحدا من اللاعبين المهمين حتى وإن لم يتم الإعتراف من الأخوة الكبار ، ولذلك بقي موجود على الساحة لعدة عوامل لعل أهمها وحدته مع الضفة الغربية التي كانت مسمار جحا للكثير من الأنظمة العربية والتنظيمات القومية والفلسطينية ، حتى حرب الخليج الأولى حينما تحالفت غالبية الدول العربية وجيوشها مع التحالف الأمريكي ضد العراق ، فكان الأردن قويا دائما أكان مع أو ضد ما يجري على الساحة.
اليوم وبلا شك يعاني الأردن من انعدام رؤية تجاه مشاعر الجوار العربي ، ورغم إحساسه بأن هناك شيئاما يدور في أذهان الأشقاء ،فإن أحدا لم يستطع تشخيص السبب أو فهم خفايا الأمور فيما يتعلق في القضايا الكبيرة التي أشعلت الشرق العربي زحفا من العراق الى سوريا ثم مصر فليبيا حتى اليمن اليوم ولا ندري من سيأتي الى حلبة النار بعد حين ، ومع ذلك لا يزال الأردن الرسمي متماهيا ومتماشيا مع خطوات أشقائه وحاضرا في
مؤتمراتهم ومستعدا للنزال في المعارك دون أن أي مؤشر قد يجيب على سؤال العامة :ماذا بعد؟
لا شك أن عملية «عاصفة الحزم» قد أربكت إيران التي باتت العدو الأول على مؤشرات الخطر العربي وخصوصا الخليجي ، ولكن في المقابل استطاعت إيران تحقيق تقدم كبير في تفاهماتها مع الدول الكبرى رغم تهوين المسألة في الإعلام العربي ، وإن لم تحقق طهران انتصارا يسمح لها بصناعة قوة نووية حربية ، فإن جنينها سيكتمل نموه ليرى النور طفلا بريئا والسنين الطويلة كفيلة بتحويله الى عملاق لن يردع ، والأهم من النووي هو إعادة إيران الى الحظيرة العالمية لترفع عنها العقوبات الاقتصادية ويفرج عن مئة مليار دولار من أرصدتها ويسمح لها بتصدير النفط رسميا ، والأهم أن تبقى تسرح وتمرح على الأراضي العربية التي جاءتها بدعوى نصرتها.
إذا لا بد من قراءة الكلمات بالعكس لنعرف ما هي الكلمة الضائعة في مربع الكلمات المتقاطعة ، فحضور الباكستان كقوة «إسلامية نووية» تقابلها مصر كقوة عسكرية بشرية في تحالف «الحزم»، والدخول المباشر لتركيا على خط العلاقات مع السعودية ورغبتها في التحالف، يدلل على بعض الاستثناءات في الأولويات أو بمعنى ألطف تغييرا طفيفا على قائمة الأولويات تجاه بعض الدول العربية المعتدلة ومنها الأردن، الذي كان من الأهمية وضعه داخل خلية التفكير في مؤتمر القمة الأخير بشرم الشيخ ، وقبله وبعده في كل الوارد والشوارد فيما يتعلق بالصراع أو الحلول المتعلقة بالمحيط العربي ، فالأردن هو الحدود الشمالية والغربية والجنوبية لكل صراعات الشرق العربي الجديدة. في نظرة استبشار لما عادت اليه المملكة العربية السعودية، الحليف الشقيق التاريخي للأردن ، لفرض زعامتها من جديد على الساحة علينا أن ننظر أين مقعدنا على الطاولة المستديرة لا المستطيلة ، فمصر عادت بقوة ، وهذا يذكرنا بالتحالف السابق قبل سقوط حكم حسني مبارك ،ولكن اليوم للأسف لم يعد الأمس ، وباراك أوباما ليس هو جورج بوش قطعا ، ولذلك يجب أن يكون الأردن جالسا على مقعده في طاولة «كامب ديفيد» التي دعى اليها أوباما قادة الدول الخليجية الشقيقة بعد أسابيع ، لأن الحديث لن يقتصر على شرح الدرس الأول في اتفاق الفيزياء النووية مع إيران ، بل سيكون هناك بلا شك درس أكثر تعقيدا يتعلق بالجغرافيا السياسية والعلوم العسكرية و تجديد لإحداثيات إيران في المنطقة.
أخيرا فإن التطورات الأخيرة على الأراضي السورية وخصوصا على الحدود الأردنية يجب أن تعطينا درسا أن السياسة فن الممكن وبكل ميكافيلية ، وعلينا أن لا ننشغل كثيرا «بزعبرات» المسؤولين السوريين ، بل بتطوير علاقتنا مع الأشقاء السعوديين والقطريين عن طريق خلية عمل مشتركة يكون أشخاصها على قدر عال من العمر السياسي والخبرة الدبلوماسية والعلاقات المتينة للبناء على ما تتباحث به القيادتان. الرأي