عانت المنطقة العربية منذ الانفصال عن الدولة العثمانية من موجة القومية العربية التي تحولت في الخمسينات و الستينات إلى موجة ركبتها الأنظمة العربية ذات المطامح السياسية في المنطقة و كل من سار في ركبهم ، لتتحول هذه الحركة إلى حركة عنصرية متعصبة أرادت صبغ البلاد العربية وحضارتها التي نشأت بمزيج من العربية و السومرية و الآشورية و الكنعانية و الأمازيغية و الكردية و غيرها من العناصر .
أرادت تحويلها قهرا وغصبا إلى حضارة عربية صرف قلبا و قالبا ، و في سبيل ذلك همشت إثنيات في حين أبرزت ورفعت إثنيات أخرى وفقا لمصالح هذه الأنظمة وارتباطاتها.
و كانت النتيجة التي نراها الآن من تفسخ المجتمع العربي و تناقضه و جهله بحقيقة تراثه و حضارته ، و نشأته من خلال نظام تربوي اهتم بالتركيز على جوانب محددة فقط من تراث أمته و استبعاد كل الجوانب الأخرى التي ساهمت في نشأت الثقافة العربية في المنطقة.
وكانت النتيجة أيضا في عدم احترامنا و فهمنا للآخر و عدم القدرة على التواصل مع العالم الذي نعيش فيه ، و نحن ننظر باستعلاء بعروبتنا من جهة ، و بإحساس بالنقص أمام ما حققته شعوب العالم من تقدم حضاري و ثقافي و اقتصادي من جهة أخرى، أضف إلى ذلك ، خسارتنا للعلاقات الودية مع الإثنيات الأخرى في المنطقة أمام إصرارنا على تجاهل أي حق أو مطلب لأي قومية أخرى في ممارسة تراثها الثقافي و حقها السياسي في حكم نفسها بنفسها.
حاليا ، دخلنا في تناقض جديد ، تعود جذوره إلى القدم ، و نرى نتائجه في الوقت الحاضر ، فلا زال تسليم القدر الأكبر من أمورنا الإدارية و الحياتية و الاقتصادية و السياسية إلى المنهج الذي يحصر الدراسة والاستنباط فيه على جماعات فقهية تلقت تعليمها و علومها وفق منهج غير علمي يقوم على قواعد محددة تفتقر للفقه و الوعي الحقيقي بالواقع و المستقبل .
لا زال هذا الوضع يجعل من الفرد بمفهومه الحالي عائقا أمام تطور فكره وحداثته وإدراكه لنظم العالم الذي يعيشه ، مما خلق لبسا في فهمه للآخرين و عجز الآخرين أيضا عن فهمه ، فهو يدور في فكره في واد ، و العالم الحديث في وادٍ آخر .
القومية العربية بدون تنقيتها و تطويرها بحيث تتفهم و تستوعب حقيقة المجتمعات العربية بكل ما فيها من عناصر ساهمت في تكوينها........و الوضع الحالي ، يجب تحديثه و تطويره بما يرقى بفكر الإنسان المسلم ليكون قادرا على مواكبة عصره ، و عنصرا فاعلا في العالم ثقافيا و سياسيا و إنسانيا .......
بدون ما سبق سيبقى العالم العربي و الإسلامي مهمشا و تابعا و أرضا للحروب و الفتن و الثورات التي يقودها فقهاء و قوميون إما جاهلين لما يمثلونه أو لاعبين على حبال هذه الشعارات الرنانة لتحقيق مطامح خاصة تُبعد العربي و المسلم عن ركب الإنسانية و ترجعه إلى الخلف مئات السنين