فرغت للتو من قراءة كتاب عنوانه لا يخلو من استفزاز لكثير من شعوب هذه الأرض هو امة من العباقرة، ورغم ان المؤلفة اوروبية الا ان انحيازها الذي يشي به العنوان هو للهند اولا واخيرا، والحكاية التي ترويها انجيلا سايني عن الهند تستحق ان نتوقف عندها مطولا، تقول ان فلاحا هنديا عثر عام 1881 على اوراق في قرية باخشالي باحدى المقاطعات الشمالية للهند وكانت تلك الاوراق الممزقة من لحاء شجرة البتولا ولم يخطر بباله انه عثر على مخطوط نادر في الرياضيات يعود تاريخه الى القرن السابع الميلادي وهو من اوائل النصوص العلمية، وتعلّم منه الغرب لأول مرة العلامات العشرية والجذور التربيعية والجبر، وانتهى الأمر بذلك المخطوط الى جامعة اكسفورد.
طويت الكتاب وعشب نوبة من التأمل والاندهاش وانا اتذكر ما قيل في بلاد العرب عن الهنود ، سواء كانوا من الحمر او السُّمر او بلون الخرّوب، وكانت احدى النكات الاوسع انتشارا في ستينات القرن الماضي عن سذاجة الهنود، ومن تلك النكات ما قيل عن عبد الناصر اثناء وداعه لانديرا غاندي في المطار، فقد حاولت تذكيره بشيء ما طلبته منه، فأجاب قائلا : طبعا لن انسى، فأنا لست هنديا!
بالطبع لم يقل عبد الناصر لاقرب اصدقائه وحلفائه في اسيا مثل هذا الكلام لكن المخيّلة الشعبية المسكونة بمثل هذه الاوهام هي التي اختلقت هذه النكتة، وتذكّرت ايضا ما كنت اسمعه من اصدقاء عرب تعمل في بيوتهم خادمات هنديات، فهم يقولون هنديّتي سافرت او استبدلتها وكأنها طاولة او قطعة اثاث في البيت، وهذا ما يسمى في الفلسفة تشييء الآدمي وهو مصطلح يعني عكس ما تعنيه الأنسنة او الآدمية.
أمة من العباقرة كما تقول سيدة اكاديمية طافت في انحاء الهند وأدهشتها الالكترونيات وكذلك التجربة الديموقراطية، فعدد الاثنيات في الهند لا يحصى لانه يتجاوز الالاف ولو كانت كبلاد اخرى لما انقطعت الحروب الاهلية فيها يوما واحدا ولسال من دمها اكثر مما يسيل في انهارها!
اعترف رغم احترامي واعجابي بالهند وطاغورها وعلمائها وبعض قادتها منذ قرأت مبكرا مذكرات جواهر لال نهرو بأنني شعرت بشيء من الحسد، سرعان ما تحوّل غِبْطة، فكلمة عبقرية التي وصفت بها انجيلا سايني الهند مشتقة من كلمة عربية هي وادي عبقر ملهم الشعراء والمبدعين في تاريخنا ونحن كعرب اولى بهذا الوصف لو كنا جديرين بالميراث، لكن الفارق هائل وحاسم بين الابن والوريث والنار كما يقال قد تخلّف رمادا.
لقد بدأ الانصاف العالمي للهند بفضل ما بلغته من تطور علمي وبعد ان تحوّل وجودها بالغ الثراء والعراقة والتنوع الى امر واقع ...
فمتى يصلنا الدّور؟