"اللهم إهد قومي ، فإنهم لا يعلمون "، ما تخبئه لهم سياساتهم غير المدروسة جيدا ، وما سوف ينجم عن عدم دقة حساباتهم في مجال الصراع ، وفهمهم المغلوط للصراع ، وعدم تفريقهم بين الصراع الرئيسي الذي لا يمكن حله إلا بالسلاح ،وهو مع إسرائيل التي تحتل أراضينا ومقدساتنا ، وكذلك الصراع الثانوي الذي يتم حله بالمفاوضات وهو مع الدول الأخرى.
لقد حبانا الله كعرب بأن شرفنا أولا بحمل رسالة الإسلام والمحبة والهداية ، وهذا ما يدعونا إلى التسلح بالحكمة في أي تصرف نقوم به ، لأنه ينعكس إن سلبا أو إيجابا على هويتنا الواحدة وعقيدتنا الواحدة .
وفي حال كنا كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس ، فإن الله سيتكفل بحماية حمانا ، لكننا ولأننا إنحرفنا 180 درجة ، عامدين متعمدين عن جادة الصواب ، وقبلنا القسمة والطرح ، ورفضنا الجمع والضرب ، فقد إبتلينا بأعداء كان الله قد أذلهم ، لكنهم وبسبب ضعفنا وقبولنا بهم وتنسيقنا معهم ، وبتطبيعنا معهم ، أذلونا أيما إذلال ، وإنتهكوا مقدساتنا .
لا أتحدث عن أمة في المريخ ، بل أعني متألما أمة العرب التي أصبحت "طوفة هبيطة " يقفز عليها حتى الكسيح ، ويستبيح كرامتها ما قدر له أن يستبيح ، ويخرج في النهاية معززا مكرما ، ويتم معاقبة من حاول مقاومة عبثه ، علما أن الشعوب الحرة لا تقبل الذل والضيم ، وقد كانت الأمهات الفرنسيات يهززن مهود أطفالهن ويغنين لهم "الإلزاس واللورين لنا "، فيما نحن نعمل على شطب إسم فلسطين من مناهجنا ومن الخرائط ، ونضع إسم إسرائيل بدلا من فلسطين ، الأمر الذي أذهل حتى الإسرائيليين أنفسهم ، لهذه السرعة والطريقة في تقبل الإذلال.
ولإظهار المزيد المزيد من الإذلال فإن العرب قد عميوا وأصابهم الصمم عن صرخات الفلسطينيين وما تقوم به إسرائيل من إجرام لحظي يشمل الشجر والحجر قبل البشر ، الأمر الذي جعل الشعب الفلسطيني يطلب الحماية الدولية ، وكأنه يتيم ، وهو كذلك فعلا.
ونحن في حالتنا هذه ،حق لإيران إستباحتنا من الشرق ولتركيا من الغرب ولأثيوبيا ، ما دامت إسرائيل وبمباركة منا تستبيح فلسطين قبل العالم العربي والأقصى والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ، ولو أننا قلبنا ملفات الخزائن البريطانية لوجدنا فضائحنا ، المتجسدة بشيكات لتمويل حرب عام 1967 والحرب العراقية الإيرانية وتمويل العدوانات على لبنان وغزة .
قبل أيام جاءت عصبة صهيوينة إلى مطار الملكة علياء الدولي بعمان ، وإنتهكت كرامتنا برقصتها التي أبسط ما يقال عنها أنها تحد لنا وإمتهان لكرامتنا في عقر دارنا دون ان يجرؤ أحد على طردهم ، وغنوا نشيد الليكود " : للأردن ضفتان ..الأولى لنا والثانية لنا "، فأي عرب نحن ؟
أما بخصوص اليمن ، فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه :من أهمل اليمن ؟ومن حارب جيش عبد الناصر عندما هب لنجدة الشعب اليمني من بطش إمام الظلم البدر ، ومن تحالف وغطى على ممارسات النذل علي عبد الله صالح الذي إغتصب الحكم في اليمن لثلاثين عاما ؟ومن تحالف مع الحوثيين بداية ضد القاعدة ؟ ولماذا توقيت الهجوم على اليمن اليوم؟
هناك من يربط الأحداث مع بعضها ويقول ان ما يجري تحالف إسرائيلي عربي إسلامي يقوده نتنياهو ضد إيران لإفشال الإتفاق الإيراني – الأمريكي المرتقب حول النووي الإيراني .
نحن مع منع أي ظلم يقع على أي شعب عربي ، ومع نجدة أي بلد عربي يتعرض للظلم ، لكن السؤال المحرج :لماذا لم نجد هذه النخوة لنجدة الشعب الفلسطيني ؟
المضحك المبكي أن قمة شرم الشيخ التي قيل عنها انها ستعلن ميلاد أمة ستكلف أحدا بحمل ما يطلق عليه مبادرة السلام العربية التي رفض الرئيس اللبناني الأسبق إيميل لحود الموافقة عليها في قمة بيروت 2002 ، لأنها لا تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ،كما ركلها السفاح شارون ورد على أصحابها بأن أعاد إجتياح العديد من المدن الفلسطينية وفرض حصارا على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إنتهى بقتله بالسم .
إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مهارتنا في تسويق ذلنا ، وتصميمنا على الإنسحاق أمام إسرائيل التي تشكل العدو الرئيسي لنا ، وهذا ما يجعلنا أضحوكة أمما المجتمع الدولي الذي لا يرى فينا سوى سفهاء نغدق بأموالنا على من هب ودب من أعدائنا لشراء صداقتهم المغلفة بالغدر ، فيما نجد إسرائيل تبتز حتى أمريكا ولا تعطيها شيئا مما تطلبه .
نحن ضد قيام الحوثي بالإنقلاب في اليمن ولسنا مع داعش الداشع ، لكن السؤال المحرج للجميع :من خلق الأجواء والظروف الحاضنة لهذا الطرف وذاك؟
هل لو كنا موحدين ،يستطيح أحد تجرأ كائن من كان الدوس على كرامتنا ؟ نعم سيجدون المداحين ليجملوا المشهد البشع ، ولكن العبرة في الخواتيم التي ستكون وخيمة على الجميع ، وستكون إسرائيل هي الرابح الأكبر من العبث الجاري في المنطقة.