"العقبة الخاصة" والتنمية الشاملة المطلوبة
د. دريد محاسنة
29-03-2015 06:29 PM
بعد خمسة عشر عاماً على إنشاء سلطة العقبة الخاصة، يبدو مشروعاً التساؤل حول ما تم إنجازه وتطويره من قِبَل هذه السلطة، وهل تحققت الإنجازات التي كانت مأمولة من إنشائها؟!
يبدو واضحاً للجميع أن الاعتقاد أن منطقة العقبة لن تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية الاجتماعية أو السياسية المؤثرة على كامل المملكة الأردنية الهاشمية هو اعتقاد خاطئ، لذا يبدو واضحاً انعكاس أي متغيرات سياسية سلبية في المنطقة على النمو والتطوير في مدينة العقبة.
فميناء العقبة مثلاً، وهو المورد الرئيس للنشاط الاقتصادي والمالي في العقبة، تأثر سلباً بإغلاق الحدود مع سوريا أولاً، وأكثر مع إغلاق الحدود مؤخراً مع العراق، وعاد ميناء العقبة ليصبح ميناءً محلياً بعد أن تطور منذ الثمانينات كميناء إقليمي وممرّ استراتيجي للبضائع بين شمال المملكة وشرقها، ومع مصر وشمال إفريقيا.
ومن ناحية أخرى، تراجعت وتيرة الاستثمار السياحي في العقبة متأثرة بتراجع النمو الاقتصادي في المملكة، وانعكس ذلك بشكل مباشر على النمو العمراني السياحي أو استخدامات الفنادق والسياحة في العقبة، وبلا شك
تأثرت العقبة أيضاً بالوضع الأمني غير المستقر في المنطقة.
وللأسف تراجَع مستوى الخدمات في المدينة حتى مؤخراً وزاد الترهل الإداري، وغلبت البيروقراطية الحكومية على أسلوب العمل في تنمية المنطقة، وعاد أسلوب الإدارة في المدينة والإقليم ليصبح حكومياً تقليدياً أسوة بالمحافظات الأخرى، ولم تستطع الإمكانيات المتوفرة في المدينة من ساحل سياحي وميناء وشبكات نقل ومطار وسكة حديد وتواصلها مع سيناء واقليم شمال البحر الأحمر، أن تعكس أي إيجابيات أو مردود اقتصادي.
ويعود هذا الأمر إلى تناسي معظمنا أن ما يحكم العقبة هو وجودها كموقع استراتيجي ضمن إقليم شمال البحر الأحمر مجاورة للسعودية ومصر و»إسرائيل»، وكانت ميزة العقبة أنها استطاعت إدخال حلقة وصل مع العراق عبر حركة نقل وتجارة امتدت عبر سيناء إلى مصر وشمال إفريقيا كتونس وليبيا.
ويبدو جلياً أن ميناء العقبة هو ميناء محلي (Destination Port) وليس ميناء دولياً إقليمياً (Hub) كجبل علي في الإمارات وسواه، وهو يتأثر بأيّ اضطرابات سياسية أو أمنية إقليمية، ويتنامى دوره الإقليمي مع زيادة الفعالية في إنتاجيته وتسهيلاته في انسياب البضائع وتقليل الإجراءات الحكومية في التخليص، فمثلاً في حين تحتاج الحاوية الواحدة الساعات لمناولتها في الموانئ العالمية تحتاج لأيام عدة في العقبة نتيجة الإجراءات المتعددة من جمارك وتخليص وغيرها.
يضاف إلى ذلك أن التعرفة للمناولة أصبحت مؤخراً مرتفعة وطاردة لجلب أيّ واردات أو صادرات من الدول المجاورة. لذا، فالبحث عن تكامل مع المناطق الحرة والصناعية والموانئ في المنطقة وخطوط النقل كقناة السويس أمر مهم، ويجب تطوير التعاون وخلق فرص استثمارية تجارية.
لن يكون كل ذلك ممكناً لو هيمن القطاع العام على خطط التنمية في الإقليم، ومن الأمثلة السلبية على ذلك بيع ميناء العقبة الرئيسي قبل سنوات، للحاجة الماسة حينها لمردود البيع من دون التخطيط للبديل أولاً. وعليه، تعاملت الحكومة -سواء السلطة في العقبة أو المركزية في عمّان- كتاجر عقاري وليس كمؤسسة تنموية..
وعليه، يجب أن ترفع الدولة يدها تدريجياً عن هذه الاستثمارات وإدارتها وترك الأمر للقطاع الخاص، وكان هذا مستحيلاً سابقاً في ظل الهيمنة الحكومية على القرار من دون التشاور مع القطاع الخاص أو المعنيين في أيّ من القطاعات التجارية والسياحية والتجارة والنقل.
ولتحقيق ذلك، يجب أن تتحرك السلطة الخاصة بخفّة وفعالية وعدد أقل من الموظفين، ومراجعة الإجراءات بما في ذلك وجود شركة العقبة التنموية، إضافة للسلطة الخاصة فيما بعد، لتجنب الازدواجية في التخطيط والإجراءات والتنفيذ.
والازدواجية أيضاً تبدو في تعدد الموانئ وعدم وجود خطة أو جهة مسؤولة مثل ما هي الحال في موانئ دبي.. وتتقاسم السلطة ووزارة النقل الصلاحيات والمسؤوليات في قطاع النقل، مما يجعل التضارب بين الجهات المختلفة أمراً واقعاً.
إن إعادة النظر في المخطط الشمولي للمدينة لوضع إدارة متكاملة للساحل الأردني تأخذ في الحسبان الفعاليات المختلفة، والمحافظة على البيئة، وعدم تضارب الأنشطة الاقتصادية، لأمرٌ ملحّ وضروري، وعلينا أن نأخذ في الحسبان المتغيرات في مواضيع مشاريع المياه الإقليمية، كقناة البحرين وقطاع الطاقة، بما يشمل الغاز والطاقة المتجددة، وتسهيل تصدير المنتجات التعدينية الأردنية بسهولة ومن دون معيقات.
واستنتاجاً لما ورد، ولتجربة السنوات السابقة، نجد أن الذي حققته السلطة على مستوى تنمية العقبة وإقليمها بشرياً وتجارياً كان ضعيفاً ولم يصل لما هو منشود منه. الرأي