في اسرائيل.. يدور جدل كبير الان بين مُؤِيدٍ ومُعارض، ومُندّد ومُشكّك، وغيره الذي يُعيب على نتنياهو لجوءه الى مثل هذه الأساليب مرة اخرى , وبخاصة بعد «مثال» جوناثان بولارد الذي ما يزال يُلقي بظلال قاسية على مشهد العلاقات بين تل ابيب وواشنطن رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود على ادانة الجاسوس اليهودي الاميركي والحكم عليه بالسجن المؤبد ورفض الادارات المتعاقبة (جمهورية وديمقراطية) الافراج عنه، حتى بعد ان ألمح جورج بوش الابن (بل قيل أنه وعد) الى نيته اصدار عفو خاص عنه وترحيله الى اسرائيل كونه حصل على جنسيتها، إلاّ ان رؤساء الاجهزة الاستخبارية والامنية الاميركية عارضوا وهددوا بالاستقالة, فما كان من بوش (الابن دائماً) ان تراجع وتم طي الموضوع.
الجدل المتجدد الان، والذي يأخذ طابع السجال، بمعنى الرد والرد المضاد داخل اسرائيل , بين مؤيدي نتنياهو واولئك الذين يعارضون نهجه وسياساته وبخاصة بعد خطابه الاشكالي أمام مجلسي الكونغرس في تحدٍ شخصي واضح للرئيس باراك اوباما وبالتواطؤ مع خصومه في الحزب الجمهوري الذي يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، يتمحور (السجال) حول ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية, ذات الصلة القوية بالدوائر الاستخبارية والعسكرية الاميركية يوم الاربعاء الماضي (25/ 3) بان اسرائيل تجسّست على المفاوضات حول الملف النووي الايراني بين طهران والقوى الكبرى, وهو ما سارعت تل ابيب الى نفيه معتبرة تلك الاخبار ملفقة وعارية من الصحة، وبصرف النظر عن النفي الاسرائيلي الكاذب بالطبع، فإن الصحيفة الاميركية (ذات المصداقية... اميركياً) قالت في خبرها الذي اثار غضب البيت الابيض وساكنه: ان هدف اسرائيل كان اختراق المحادثات لاعتراض اي مسودة اتفاق، اضافة الى التنصت فإن اسرائيل (حسب مسؤولين اميركيين سابقين وحاليين) حصلت على معلومات من اجتماعات اميركية سرّية مع مُخبرين ودبلوماسيين هي على إتصال بهم في اوروبا، الأمر الذي دفع اسرائيل الى إطلاع اعضاء في الكونغرس الاميركي على معلومات سرّية, بهدف نسف اي دعم للاتفاق من الكونغرس (المشكوك في دعمه لسياسات اوباما اصلاً) وإذا ما عدنا الى اجواء التصريحات والتصريحات المضادة التي كانت تتبادلها ادارة اوباما وحكومة نتنياهو, عشية قيام الاخير بزيارته الاستفزازية الى واشنطن والقاء خطاب أمام الكونغرس, وبخاصة التحذير «الاميركي» اللافت والحازم في لهجته ومفرداته لنتنياهو بعدم كشف أي «معلومات سرّية» عن المفاوضات, فإننا نكون امام «حال تلبّس» تم فيه ضبط اسرائيل تتجسس على المباحثات, وهو السبب الذي بات الان يقف في مقدمة سياسة الانتقام (على ما يصفها مُعلقّون اسرائيليون) التي تُهدد بها ادارة اوباما... نتنياهو, سواء في تلويحها باعادة تقييم سياساتها تجاه اسرائيل أم في العبارة غير المسبوقة التي ادلى بها ناطقون باسم اوباما ومفادها ان «الوقت قد حان لأن تنهي اسرائيل احتلالها الذي دام خمسين عاماً».
ماذا يقول «المُتجادلون»... في اسرائيل؟
ثمة نموذجان من بين نماذج عديدة تحفل بها وسائل الاعلام الاسرائيلية في هذا الشأن, أحدهما كتبه الصحفي في صحيفة معاريف اليمينية, بن كسبيت, تحت عنوان: المراهنة فشلت, يقول فيه: لا مناص من الاعتراف: بنيامين نتنياهو زرع مطراً ونحن نحصد العاصفة.. المشكلة – يواصل – هي أن الايام الحالية ليست اياماً عادية, هي أيام فظيعة, إن التسريب لصحيفة «وول ستريت جورنال» هو صفعة اخرى من سلسلة الصفعات العالمية التي توجهها ادارة اوباما لنتنياهو وحكومته في الايام التي تلت الانتخابات.مَنْ اعتقد أن اوباما سيضبط نفسه بخصوص الخطاب في الكونغرس, اخطأ, فهو ليس لديه نيّة لضبط نفسه, وليس له نيّة للتنازل عن هدفه الحقيقي: التوصل الى الاتفاق مع ايران بدون أن يستطيع الكونغرس.. تعويقه.
اما رونين بيرغمان الصحفي «الأمني» بمعنى وثيق الصلة بالدوائر الاستخبارية الاسرائيلية والكاتب في صحيفة يديعوت احرونوت (وسط) فكتب حول الموضوع تحت عنوان: المتابعة شرعية, التسريب للكونغرس.. لا. يقول فيه (في ما يشبه الاعتراف بالتجسس وادانة سلوك نتناهو): «الشكل الاستفزازي الذي ادار به نتنياهو السياسة حيال واشنطن هو خطأ جسيم, اذا كان المندوبون الاسرائيليون, كجزء من السياسة العدوانية للتأثير على الادارة من خلال الكونغرس, استخدموا المعلومات الاستخبارية التي تم الوصول اليها من مصادر اميركية – فهذه لا تقل عن.. فضيحة – «.
هكذا يتجادل الاسرائيليون ويتحاورون وهم هكذا مع راعيتهم وحاميتهم وممولتهم يفعلون, وهي ايضاً ليست اول مرة ولن تكون الاخيرة بالمناسبة, لكن السؤال يبقى ماذا فعل العرب وماذا يفعلون, في هذا المجال «الرحب» من الجاسوسية والجاسوسية المضادة التي تكرّس لخدمة الاوطان والمصالح العليا للشعوب؟
أم أن المسألة برمتها لم تكن تعنينا اصلاً ولن تعنينا.. الان وفي المستقبل ايضاً؟
"الراي"
kharroub@jpf.com.jo